للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجِوَارِ وَقَطِيعَةُ الْأَرْحَامِ وَتَعْطِيلُ الْجِهَادِ} . وَقَدْ كَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُعَظِّمُ الْجِوَارَ وَتُحَافِظُ عَلَى حِفْظِهِ وَتُوجِبُ فِيهِ مَا تُوجِبُ فِي الْقَرَابَةِ, قَالَ زُهَيْرٌ:

وَجَارُ الْبَيْتِ وَالرَّجُلُ الْمُنَادِي ... أَمَامَ الْحَيِّ عَقْدُهُمَا سَوَاءُ

يُرِيدُ بِالرَّجُلِ الْمُنَادِي مَنْ كَانَ مَعَكَ فِي النَّادِي, وَهُوَ مَجْلِسُ الْحَيِّ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ أَنَّهُ الْجَارُ الَّذِي يُلَاصِقُ دَارُهُ دَارِهِ وَإِنَّ اللَّهُ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ تَأْكِيدًا لِحَقِّهِ عَلَى الْجَارِ غَيْرِ الْمُلَاصِقِ. وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدٍ بْنُ عُثْمَانَ الْقُرَشِيُّ وَرَّاقُ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ الْأَزْدِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا, فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا, وَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَابْدَأْ بِاَلَّذِي سَبَقَ". وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جِوَارٌ". وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ شَبِيبٍ الْمَعْمَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ السِّفْرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي نَزَلْت بِمَحَلَّةِ بَنِي فُلَانٍ وَإِنَّ أَشَدَّهُمْ لِي أَذًى أَقْرَبُهُمْ مِنْ جِوَارِي, فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا أَنْ يَأْتُوا بَابَ الْمَسْجِدِ فَيَقُومُوا عَلَى بَابِهِ فَيَصِيحُوا ثَلَاثًا أَلَا إنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جِوَارٌ وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ خَافَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ قَالَ: قُلْت لِلزُّهْرِيِّ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَرْبَعِينَ دَارًا؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ هَكَذَا وَأَرْبَعِينَ هَكَذَا. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الِاجْتِمَاعَ فِي مَدِينَةِ جِوَارًا, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً} [الأحزاب:٦٠] فَجَعَلَ تَعَالَى اجْتِمَاعَهُمْ مَعَهُ فِي الْمَدِينَةِ جِوَارًا.

وَالْإِحْسَانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَكُونُ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا الْمُوَاسَاةُ لِلْفَقِيرِ مِنْهُمْ إذَا خَافَ عَلَيْهِ الضَّرَرَ الشَّدِيدَ مِنْ جِهَةِ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ, وَمِنْهَا حُسْنُ الْعِشْرَةِ وَكَفُّ الْأَذَى عَنْهُ وَالْمُحَامَاةُ دُونَهُ مِمَّنْ يُحَاوِلُ ظُلْمَهُ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَجَمِيلِ الْفِعَالِ. وَمِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حَقِّ الْجِوَارِ الشُّفْعَةَ لِمَنْ بيعت دار إلى جنبه; والله الموفق.

<<  <  ج: ص:  >  >>