للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَزِيَّةٍ حَصَلَتْ لَهُ مَعَ تَعَلُّقِ حَقِّ الْجِوَارِ بالقسمة. والدليل عليه أن الشركة في سائر الْأَشْيَاءِ لَا تُوجِبُ الشُّفْعَةَ لِعَدَمِ حُصُولِ الْجِوَارِ بِهَا, كَمَا أَنَّ الْأَخَ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى بِالْمِيرَاثِ مِنْ الْأَخِ مِنْ الْأَبِ, وَإِنْ كَانَتْ الْأُخُوَّةُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ يُسْتَحَقُّ بِهَا التَّعْصِيبُ وَالْمِيرَاثُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ, وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَرَابَةَ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ لَا يُسْتَحَقُّ بِهَا التَّعْصِيبُ; إذْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ قَرَابَةٌ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ, إلَّا أَنَّهَا أَكَّدَتْ تَعْصِيبَ الْقَرَابَةِ مِنْ الْأَبِ; كَذَلِكَ الشَّرِيكُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ بِالشَّرِكَةِ; لِمَا تَعَلَّقَ بِهَا مِنْ حُصُولِ الْجِوَارِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ, وَالشَّرِيكُ أَوْلَى مِنْ الْجَارِ لِمَزِيَّةٍ حَصَلَتْ لَهُ كَمَا وُصِفَ بِالتَّعْصِيبِ, وَيَكُونُ الْمَعْنَى الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الشُّفْعَةِ هُوَ الْجِوَارُ. وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ الْمَعْنَى الَّذِي بِهِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ بِالشَّرِكَةِ هُوَ دَوَامُ التَّأَذِّي بِالشَّرِيكِ, وَكَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي الْجِوَارِ; لِأَنَّهُ يَتَأَذَّى بِهِ فِي الْإِشْرَافِ عَلَيْهِ وَمُطَالَعَةِ أُمُورِهِ وَالْوُقُوفِ عَلَى أَحْوَالِهِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ لَهُ الشُّفْعَةُ لِوُجُودِ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ; وَهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْجَارِ غَيْرِ الْمُلَاصِقِ; لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ طَرِيقًا يَمْنَعُهُ التَّشَرُّفَ عَلَيْهِ وَالِاطِّلَاعَ عَلَى أُمُورِهِ.

وأما قوله تعالى: {وَابْنَ السَّبِيلِ} , فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ الْمُسَافِرُ; وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: "هُوَ الضَّيْفُ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَعْنَاهُ صَاحِبُ الطَّرِيقِ; وَهَذَا كَمَا يُقَالُ لِطَيْرِ الْمَاءِ: ابْنُ مَاءٍ, قَالَ الشَّاعِرُ:

وَرَدْتُ اعْتِسَافًا وَالثُّرَيَّا كَأَنَّهَا ... عَلَى قِمَّةِ الرَّأْسِ ابْنُ مَاءٍ مُحَلِّقُ

وَمَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى الضَّيْفِ فَقَوْلُهُ سَائِغٌ أَيْضًا; لِأَنَّ الضَّيْفَ كَالْمُجْتَازِ غَيْرِ الْمُقِيمِ, فَسُمِّيَ ابْنُ السَّبِيلِ تَشْبِيهًا بِالْمُسَافِرِ الْمُجْتَازِ, وَهُوَ كَمَا يُقَالُ: عَابِرُ السَّبِيلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: "ابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ وَلَيْسَ مَعَهُ نَفَقَتُهُ" وَهَذَا غَلَطٌ; لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَصِرْ فِي الطَّرِيقِ لَا يُسَمَّى ابْنَ السَّبِيلِ كَمَا لَا يُسَمَّى مُسَافِرًا وَلَا عَابِرَ سَبِيلٍ.

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} يَعْنِي الْإِحْسَانَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ. وَرَوَى سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَتْ عَامَّةُ وَصِيَّةِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةُ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ حَتَّى جَعَلَ يُغَرْغِرُ بِهَا فِي صَدْرِهِ وَمَا يَقْبِضُ بِهَا لِسَانَهُ, وَرَوَتْهُ أَيْضًا أُمُّ سَلَمَةَ. وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِي عُمَارَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْغَنَمُ بَرَكَةٌ وَالْإِبِلُ عِزٌّ لِأَهْلِهَا, وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, وَالْمَمْلُوكُ أَخُوكَ فَأَحْسِنْ إلَيْهِ فَإِنْ وَجَدْتَهُ مَغْلُوبًا فَأَعِنْهُ". وَرَوَى مُرَّةُ الطَّيِّبُ١ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يدخل الجنة سيئ الملكة" قيل:


١ قوله: "مرة الطب" هو مرة بن شراحيل الهمداني, روى عن أبي بكر وعمر وجماعة, يفال له مرة............==

<<  <  ج: ص:  >  >>