للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إنْ وَجَدْنَا الْمُتَنَازَعَ فِيهِ مَنْصُوصًا عَلَى حُكْمِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, وَإِنْ لَمْ نَجِدْ فِيهِ نَصًّا مِنْهُمَا وَجَبَ رَدُّهُ إلَى نَظِيرِهِ مِنْهُمَا; لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالرَّدِّ فِي كُلِّ حَالٍ; إذْ لَمْ يُخَصِّصْ اللَّهُ تَعَالَى الْأَمْرَ بِالرَّدِّ إلَيْهِمَا فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ. وَعَلَى أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ فَحْوَى الْكَلَامِ وَظَاهِرُهُ الرَّدُّ إلَيْهِمَا فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ الَّذِي لَا احْتِمَالَ فِيهِ لِغَيْرِهِ لَا يَقَعُ التَّنَازُعُ فِيهِ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِاللُّغَةِ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِمَا فِيهِ احْتِمَالٌ مِمَّا لَا احْتِمَالَ فِيهِ, فَظَاهِرُ ذَلِكَ يَقْتَضِي رَدَّ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إلَى نَظَائِرِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ تَرْكُ التَّنَازُعِ وَالتَّسْلِيمُ لِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ; لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} , فَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ مَا ذَكَرْت فَإِنَّ مَعْنَاهُ: اتَّبِعُوا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيهِ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ; وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ آمَنَ فَفِي اعْتِقَادِهِ لِلْإِيمَانِ اعْتِقَادٌ لِالْتِزَامِ حُكْمِ اللَّهِ وَسُنَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى إبْطَالِ فَائِدَةِ قَوْله تَعَالَى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} وَعَلَى أَنَّ ذَلِكَ قَدْ تَقَدَّمَ الْأَمْرُ بِهِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ, وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} فَغَيْرُ جَائِزٍ حَمْلُ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} عَلَى مَا قَدْ أَفَادَهُ بَدِيًّا فِي أَوَّلِ الْخِطَابِ, وَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى فَائِدَةٍ مُجَدَّدَةٍ وَهُوَ رَدُّ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّنَازُعُ إلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ; وَعَلَى أَنَّا نَرُدُّ جَمِيعَ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِحَقِّ الْعُمُومِ وَلَا نُخْرِجُ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ دليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>