الْكُفَّارِ أَوْلِيَاءَ وَأَنْصَارًا وَالِاعْتِزَازِ بِهِمْ وَالِالْتِجَاءِ إلَيْهِمْ لِلتَّعَزُّزِ بِهِمْ. وَقَدْ حَدَّثَنَا مَنْ لَا أَتَّهِمُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُمَوِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ اعْتَزَّ بِالْعَبِيدِ أَذَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى"; وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَى الْآيَةِ فِيمَنْ اعْتَزَّ بِالْكُفَّارِ وَالْفُسَّاقِ وَنَحْوِهِمْ, فَأَمَّا أَنْ يَعْتَزَّ بِالْمُؤْمِنِينَ فَذَلِكَ غَيْرُ مَذْمُومٍ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: ٨] .
وقَوْله تَعَالَى: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} تَأْكِيدٌ لِلنَّهْيِ عَنْ الِاعْتِزَازِ بِالْكُفَّارِ وَإِخْبَارٌ بِأَنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ دُونَهُمْ وَذَلِكَ مُنْصَرِفٌ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا امْتِنَاعُ إطْلَاقِ الْعِزَّةِ إلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ; لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِعِزَّةِ أَحَدٍ مَعَ عِزَّتِهِ لِصِغَرِهَا وَاحْتِقَارِهَا فِي صِفَةِ عِزَّتِهِ. وَالْآخَرُ: أَنَّهُ الْمُقَوِّي لِمَنْ لَهُ الْقُوَّةُ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ, فَجَمِيعُ الْعِزَّةِ لَهُ; إذْ كَانَ عَزِيزًا لِنَفْسِهِ مُعِزًّا لِكُلِّ مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِزَّةِ. وَالْآخَرُ: أَنَّ الْكُفَّارَ أَذِلَّاءُ فِي حُكْمِ اللَّهِ فَانْتَفَتْ عَنْهُمْ صِفَةُ الْعِزَّةِ وَكَانَتْ لِلَّهِ وَلِمَنْ جَعَلَهَا لَهُ فِي الْحُكْمِ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ, فَالْكُفَّارُ وَإِنْ حَصَلَ لَهُمْ ضَرْبٌ مِنْ الْقُوَّةِ وَالْمَنَعَةِ فَغَيْرُ مُسْتَحَقِّينَ لِإِطْلَاقِ اسْمِ الْعِزَّةِ لَهُمْ.
قَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا} فِيهِ نَهْيٌ عَنْ مُجَالَسَةِ مَنْ يُظْهِرُ الْكُفْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ بِآيَاتِ اللَّهِ, فَقَالَ تَعَالَى: {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} وَ" حَتَّى" هَهُنَا تَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَصِيرُ غَايَةً لِحَظْرِ الْقُعُودِ مَعَهُمْ حَتَّى إذَا تَرَكُوا إظْهَارَ الْكُفْرِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ زَالَ الْحَظْرُ عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ, وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا رَأَوْا هَؤُلَاءِ أَظْهَرُوا الْكُفْرَ وَالِاسْتِهْزَاءَ بِآيَاتِ اللَّهِ, فَقَالَ: لَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ لِئَلَّا يُظْهِرُوا ذَلِكَ وَيَزْدَادُوا كُفْرًا وَاسْتِهْزَاءً بِمُجَالَسَتِكُمْ لَهُمْ; وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ مَا اقْتَضَتْهُ الْآيَةُ مِنْ إبَاحَةِ الْمُجَالَسَةِ إذَا خَاضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ: {فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: ٦٨] قِيلَ: إنَّهُ يَعْنِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ, وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي هَذِهِ الْآيَةِ, وَقِيلَ: بَلْ هِيَ عَامَّةٌ فِي سَائِرِ الظَّالِمِينَ.
وَقَوْلُهُ: {إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} قَدْ قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: فِي الْعِصْيَانِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ مَعْصِيَتُهُمْ مَنْزِلَةَ الْكُفْرِ, وَالثَّانِي: أَنَّكُمْ مِثْلُهُمْ فِي الرِّضَا بِحَالِهِمْ فِي ظَاهِرِ أَمْرِكُمْ, وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ, وَلَكِنْ مَنْ قَعَدَ مَعَهُمْ سَاخِطًا لِتِلْكَ الْحَالِ مِنْهُمْ لَمْ يَكْفُرْ, وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُوَسَّعٍ عَلَيْهِ فِي الْقُعُودِ مَعَهُمْ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute