للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: ١٠٣] , وَأَخْبَرَ أَيْضًا أَنَّهُمْ يَقُومُونَ إلَى الصَّلَاةِ كُسَالَى مُرَاءَاةً لِلنَّاسِ, وَالْكَسَلُ هُوَ التَّثَاقُلُ عَنْ الشَّيْءِ لِلْمَشَقَّةِ فِيهِ مَعَ ضَعْفِ الدَّوَاعِي إلَيْهِ, فَلَمَّا لَمْ يَكُونُوا مُعْتَقِدِينَ لِلْإِيمَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ دَاعٍ إلَى الصَّلَاةِ إلَّا مُرَاءَاةً لِلنَّاسِ خَوْفًا مِنْهُمْ.

قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ} فَإِنَّ الْوَلِيَّ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى صَاحِبَهُ بِمَا يَجْعَلُ لَهُ مِنْ النُّصْرَةِ وَالْمَعُونَةِ عَلَى أَمْرِهِ وَالْمُؤْمِنُ وَلِيُّ اللَّهِ بِمَا يَتَوَلَّى مِنْ إخْلَاصِ طَاعَتِهِ, وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا يَتَوَلَّى مِنْ جَزَائِهِمْ عَلَى طَاعَتِهِ. وَاقْتَضَتْ الْآيَةُ النَّهْيَ عَنْ الِاسْتِنْصَارِ بِالْكُفَّارِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ وَالرُّكُونِ إلَيْهِمْ وَالثِّقَةِ بِهِمْ, وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَسْتَحِقُّ الْوِلَايَةَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِوَجْهٍ وَلَدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الِاسْتِعَانَةُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا التَّصَرُّفُ وَالْوِلَايَةُ, وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: ١١٨] وَقَدْ كَرِهَ أَصْحَابُنَا تَوْكِيلَ الذِّمِّيِّ فِي الشِّرَى وَالْبَيْعِ وَدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ مُضَارَبَةً; وَهَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ.

قَوْله تَعَالَى: {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ عَلَى مِنْهَاجِ الْقُرْبِ, فَسَبِيلُهُ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِلَّهِ سَالِمًا مِنْ شَوْبِ الرِّيَاءِ أَوْ طَلَبِ عَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا أَوْ مَا يُحْبِطُهُ مِنْ الْمَعَاصِي; وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ جَوَازِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا عَلَى مَا سَبِيلُهُ أَنْ لَا يُفْعَلَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ وَالْحَجِّ.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: "إلَّا أَنْ يَدْعُوَ عَلَى ظَالِمِهِ", وَعَنْ مُجَاهِدٍ رِوَايَةٌ: "إلَّا أَنْ يُخْبِرَ بِظُلْمِ ظَالِمِهِ لَهُ". وَقَالَ الْحَسَنُ وَالسُّدِّيُّ: "إلَّا أَنْ يَنْتَصِرَ مِنْ ظَالِمِهِ". وَذَكَرَ الْفُرَاتُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَشْتُمُك فَتَشْتُمُهُ, وَلَكِنْ إنْ افْتَرَى عَلَيْك فَلَا تَفْتَرِ عَلَيْهِ. وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ} [الشورى: ٤١] . وَرَوَى ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} قَالَ: "ذَاكَ فِي الضِّيَافَةِ, إذَا جِئْت الرَّجُلَ فَلَمْ يُضِفْك فَقَدْ رُخِّصَ أَنْ تَقُولَ فِيهِ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إنْ كَانَ التَّأْوِيلُ كَمَا ذُكِرَ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ كَانَتْ الضِّيَافَةُ وَاجِبَةً, وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ١ فَمَا زَادَ فَهُوَ صَدَقَةٌ" , وَجَائِزٌ أَنْ يكون فيمن لا


١ قوله: "الضيافة ثلاثة أيام" أي في ثلاثة أيام, فهو منصوب على الظرفية, وقد أخذ بظاهر الحديث الإمام احمد فاوجب الضيافة, وحمله الجمهور على المضطر أو أهل الذمة المشروط عليهم ضيافة................==
== المارة. وإنكا سمي الزائد على الثلاثة صدقة تنفيرا للضيف عن الإقامة أكثر من ثلاثة, لأن نفس المروءة تأبى اسم الصدقة كما في شروح الجامع الصغير. "لمصححه".

<<  <  ج: ص:  >  >>