للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَقُولُ "بِمِثْلِهِنَّ بِمِثْلِهِنَّ إيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ, فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي دِينِهِمْ" ; وَلِذَلِكَ قِيلَ دِينُ اللَّهِ بَيْنَ الْمُقَصِّرِ وَالْغَالِي.

قَوْله تَعَالَى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} قِيلَ فِي وَصْفِ الْمَسِيحِ بِأَنَّهُ كَلِمَةُ اللَّهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا مَا رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ عِيسَى بِكَلِمَةِ اللَّهِ, وَهُوَ قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} [البقرة: ١١٧] لَا عَلَى سَبِيلِ مَا أَجْرَى الْعَادَةَ بِهِ مِنْ حُدُوثِهِ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى جَمِيعًا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُهْتَدَى بِهِ كَمَا يُهْتَدَى بِكَلِمَةِ اللَّهِ. وَالثَّالِثُ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبِشَارَةِ بِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أنبيائه. وأما قوله تعالى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} فَلِأَنَّهُ كَانَ بِنَفْخَةِ جِبْرِيلَ بِإِذْنِ اللَّهِ, وَالنَّفْخُ يُسَمَّى رُوحًا, كَقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ١:

فَقُلْت لَهُ ارْفَعْهَا إلَيْك وَأَحْيِيهَا ...

بِرُوحِك وَاقْتَتْهُ لَهَا قِيتَةً قَدْرَا

أَيْ بِنَفْخِك. وَقِيلَ: إنَّمَا سَمَّاهُ رُوحًا; لِأَنَّهُ يُحْيِي النَّاسَ بِهِ كَمَا يُحْيُونَ بِالْأَرْوَاحِ; وَلِهَذَا الْمَعْنَى سَمَّى الْقُرْآنَ رُوحًا فِي قَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى: ٥٢] . وَقِيلَ: لِأَنَّهُ رُوحٌ مِنْ الْأَرْوَاحِ كَسَائِرِ أَرْوَاحِ النَّاسِ, وَأَضَافَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ تَشْرِيفًا لَهُ, كَمَا يُقَالُ: بَيْتُ اللَّهِ, وَسَمَاءُ اللَّهِ.

قَوْله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ بِمَعْنَى: لِئَلَّا تَضِلُّوا, فَحَذَفَ" لَا" كَمَا تُحْذَفُ مَعَ الْقَسَمِ فِي قَوْلِك: وَاَللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا, أَيْ لَا أَبْرَحُ; قَالَ الشَّاعِرُ:

تَاللَّهِ يَبْقَى عَلَى الْأَيَّامِ ذُو حِيَدٍ٢

مَعْنَاهُ: لَا يَبْقَى. وَقِيلَ: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا, كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} يعني أهل القرية.


١ قوله: "كقول ذبي الرمة" في نار اقتدحها وأمر صاحبه بالنفخ فيها, ومعنى الببيت خذ النار إليك وأحيها بنفخ نفسك فيها نفخا رفيقا بحيث لا تطير ولا تنطفي, فالهاء في "اقتته" راجع للروح وفي "لها" للنار والقيتة فعله من القوت كميتة من الميت, يقال: نفخ في النار نفخا قوتا واقتاتا لها أي رفق بها "لمصححه".
٢ قوله: "ذو حيد" هو الثور الوحشي والحيد بكسر وفتح جمع حيد بفتح وسكون وهو ما التوى من القرن. "لمصححه".

<<  <  ج: ص:  >  >>