للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩٨] وَمَعْنَاهُ: لَكِنْ قَوْمُ يُونُسَ; وَقَوْلُهُ: {طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه: ١, ٣] مَعْنَاهُ: لَكِنْ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى; وَنَظَائِرُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَكَاةِ الْمَوْقُوذَةِ وَنَحْوِهَا, فَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ فِي الْمُتَرَدِّيَةِ: إذَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهَا قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ أُكِلَتْ, وَكَذَلِكَ الْمَوْقُوذَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ: أَنَّهُ إذَا بَلَغَ بِهِ ذَلِكَ إلَى حَالٍ لَا يَعِيشُ فِي مِثْلِهِ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ ذُكِّيَ قَبْلَ الْمَوْتِ. وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ إنْ كَانَ يَعِيشُ مِنْهُ الْيَوْمَ وَنَحْوِهِ أَوْ دُونَهُ فَذَكَّاهَا حَلَّتْ, وَإِنْ كَانَ لَا يَبْقَى إلَّا كَبَقَاءِ الْمَذْبُوحِ لَمْ يُؤْكَلْ وَإِنْ ذُبِحَ; وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ كَانَتْ بِهِ جِرَاحَةٌ مُتْلِفَةٌ وَصَحَّتْ عُهُودُهُ وَأَوَامِرُهُ, وَلَوْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَقَالَ مَالِكٌ: "إذَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهَا وَهِيَ حَيَّةٌ تَطْرِفُ أُكِلَتْ". وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: "إذَا صَارَتْ بِحَالٍ لَا تَعِيشُ أَبَدًا لَمْ تُؤْكَلْ وَإِنْ ذُبِحَتْ". وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: "إذَا كَانَ فِيهَا حَيَاةٌ فَذُبِحَتْ أُكِلَتْ, وَالْمَصْيُودَةُ١ إذَا ذُبِحَتْ لَمْ تُؤْكَلْ". وَقَالَ اللَّيْثُ: "إذَا كَانَتْ حَيَّةً وَقَدْ أَخْرَجَ السَّبُعُ مَا فِي جَوْفِهَا أُكِلَتْ إلَّا مَا بَانَ عَنْهَا". وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي السَّبُعِ إذَا شَقَّ بَطْنَ الشَّاةِ وَنَسْتَيْقِنُ أَنَّهَا تَمُوتُ: إنْ لَمْ تُذَكَّ فَذُكِّيَتْ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} يَقْتَضِي ذَكَاتَهَا مَا دَامَتْ حَيَّةً, فَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ تَعِيشَ مِنْ مِثْلِهِ أَوْ لَا تَعِيشَ, وَأَنْ تَبْقَى قَصِيرَ الْمُدَّةِ أَوْ طَوِيلَهَا; وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّكَ شَيْءٌ مِنْهَا صَحَّتْ ذَكَاتُهَا. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْأَنْعَامِ إذَا أَصَابَتْهَا الْأَمْرَاضُ الْمُتْلِفَةُ الَّتِي قَدْ تَعِيشُ مَعَهَا مُدَّةً قَصِيرَةً أَوْ طَوِيلَةً أَنَّ ذَكَاتَهَا بِالذَّبْحِ, فَكَذَلِكَ المتردية ونحوها; والله أعلم.


١ قوله: "والمصيودة" اسنم مفعول من صاد يصيد على لغة تميم فغنهم يجيزون تصحيح المفعول مما عينه ياء, وأما الحجازيون فإنهم يقولون مصيد, كما في شرح الخلاصة عند قوله: "وندر تصحيح ذي الواو وفي ذي الياء اشتهر". "لمصححه".

<<  <  ج: ص:  >  >>