فصل
وَأَمَّا الْآلَةُ فَإِنَّ كُلَّ مَا فَرَى الْأَوْدَاجَ وَأَنْهَرَ الدَّمَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالذَّكَاةُ صَحِيحَةٌ, غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَنَا كَرِهُوا الظُّفْرَ الْمَنْزُوعَ وَالْعَظْمَ وَالْقَرْنَ وَالسِّنَّ لِمَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ; ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ: "لَوْ أَنَّ رَجُلًا ذَبَحَ بِلِيطَةٍ فَفَرَى الْأَوْدَاجَ وَأَنْهَرَ الدَّمَ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ, وَكَذَلِكَ لَوْ ذَبَحَ بِعُودٍ, وَكَذَلِكَ لَوْ نَحَرَ بِوَتَدٍ أَوْ بِشَظَاظٍ أَوْ بِمَرْوَةِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ; فَأَمَّا الْعَظْمُ وَالسِّنُّ وَالظُّفْرُ فَقَدْ نُهِيَ أَنْ يُذَكَّى بِهَا, وَجَاءَتْ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ وَآثَارٌ, وَكَذَلِكَ الْقَرْنُ عِنْدَنَا وَالنَّابُ" قَالَ: "وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ذَبَحَ بِسِنِّهِ أَوْ بِظُفْرِهِ فَهِيَ مَيْتَةٌ لَا تُؤْكَلُ" وَقَالَ فِي الْأَصْلِ: "إذَا ذَبَحَ بِسِنِّ نَفْسِهِ أَوْ بِظُفْرِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ قَاتِلٌ وَلَيْسَ بِذَابِحٍ". وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: "كُلُّ مَا بُضِعَ مِنْ عَظْمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَفَرَى الْأَوْدَاجَ فَلَا بَأْسَ بِهِ". وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: "كُلُّ مَا فَرَى الْأَوْدَاجَ فَهُوَ ذَكَاةٌ إلَّا السِّنَّ وَالظُّفْرَ". وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: "لَا يُذْبَحُ بِصَدَفِ الْبَحْرِ". وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ يَكْرَهُ الذَّبْحَ بِالْقَرْنِ وَالسِّنِّ وَالظُّفْرِ وَالْعَظْمِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: "لَا بَأْسَ بِأَنْ يُذْبَحَ بِكُلِّ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ إلَّا الْعَظْمَ وَالسِّنَّ وَالظُّفْرَ". وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيُّ الظُّفْرَ وَالسِّنَّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الظُّفْرُ وَالسِّنُّ الْمَنْهِيُّ عَنْ الذَّبِيحَةِ بِهِمَا, إذَا كَانَتَا قَائِمَتَيْنِ فِي صَاحِبِهِمَا وَذَلِكَ; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الظُّفْرِ: "إنَّهَا مُدَى الْحَبَشَةِ" وَهُمْ إنَّمَا يَذْبَحُونَ بِالظُّفُرِ الْقَائِمِ فِي مَوْضِعِهِ غَيْرِ الْمَنْزُوعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "ذَلِكَ الْخَنْقُ". وَعَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ: سَأَلْت عِكْرِمَةَ عَنْ الذَّبِيحَةِ بِالْمَرْوَةِ, قَالَ: "إذَا كَانَتْ حَدِيدَةً لَا تَثْرِدُ الْأَوْدَاجَ فَكُلْ" فَشَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا تَثْرِدَ١ الْأَوْدَاجَ, وَهُوَ أَنْ لَا تَفْرِيَهَا, وَلَكِنَّهُ يَقْطَعُهَا قِطْعَةً قِطْعَةً, وَالذَّبْحُ بِالظُّفْرِ وَالسِّنِّ غَيْرُ الْمَنْزُوعِ يَثْرُدُ وَلَا يَفْرِي فَلِذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ الذَّكَاةُ بِهِمَا, وَأَمَّا إذَا كَانَا مَنْزُوعَيْنِ فَفَرَيَا الْأَوْدَاجَ فَلَا بَأْسَ; وَإِنَّمَا كَرِهَ أَصْحَابُنَا مِنْهَا مَا كان بمنزلة السكين الكالة,
١ قوله: "لا تثرد" من التثريد وهو القتل بغير ذكاة, او هو أن يذبح بشيء لا يسيل الدم كما فسره في النهاية. مصححه".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute