الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: "إذَا خَزَقَ الْحَجَرُ فَكُلْ وَالْبُنْدُقَةُ لَا تَخْزِقُ". وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: "إنْ خَزَقَ الْمَرْمِيُّ بِرَمْيِهِ أَوْ قَطَعَ بِحَدِّهِ أُكِلَ, وَمَا جَرَحَ بِثِقَلِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ; وَفِيمَا نَالَتْهُ الْجَوَارِحُ فَقَتَلْته فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ حَتَّى يُجْرَحَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} . وَالْآخَرُ أَنَّهُ حِلٌّ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْكَلْبِ إذَا قَتَلَ الصَّيْدُ بِصَدْمَتِهِ لَمْ يُؤْكَلْ. وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الْآخَرُ: فَمَا لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ فِي الْأَصْلِ, مِثْلُ الْبَعِيرِ وَالْبَقَرِ إذَا تَوَحَّشَ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ, فَقَالَ أَصْحَابُنَا: "إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَبْحِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ كَالصَّيْدِ وَيَكُونُ مُذَكًّى" وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ: "لَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ يُذْبَحَ عَلَى شَرَائِطِ الذَّكَاةِ". وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَمَسْرُوقٍ مِثْلُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا, وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْآثَارِ الْمُؤَيِّدَةِ لِقَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي الصَّيْدِ أَنَّ شَرْطَ ذَكَاتِهِ أَنْ يَجْرَحَهُ بِمَا لَهُ حَدٌّ, وَمِنْهُ مَا ذُكِرَ فِي الْمِعْرَاضِ أَنَّهُ إنْ أَصَابَ بِحَدِّهِ أُكِلَ وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ لَمْ يُؤْكَلْ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ, لقوله تعالى: {وَالْمَوْقُوذَةُ} , فَكُلُّ مَا لَا يُجْرَحُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ وَقِيذٌ مُحَرَّمٌ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَفِي حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن مُغَفَّلٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَهْيُ عَنْ الْخَذْفِ وَقَالَ: "إنَّهَا لَا تَنْكَأُ الْعَدُوَّ وَلَا تَصِيدُ الصَّيْدَ وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ" فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْجِرَاحَةَ فِي مِثْلِهِ لَا تُذَكَّى; إذْ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ, وَإِنَّمَا الْجِرَاحَةُ الَّتِي لَهَا حُكْمٌ فِي الذَّكَاةِ هِيَ مَا يَقَعُ بِمَا لَهُ حَدٌّ, أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمِعْرَاضِ: "إنْ أَصَابَهُ بِحَدِّهِ فَخَزَقَ فَكُلْ وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ" وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَا يَجْرَحُ وَلَا يَجْرَحُ؟ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اعْتِبَارِ الْآلَةِ, وَأَنَّ سَبِيلَهَا أَنْ يَكُونَ لَهَا حَدٌّ فِي صِحَّةِ الذَّكَاةِ بِهَا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْخَذْفِ: "إنَّهَا لَا تَصِيدُ الصَّيْدَ" يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِ جِرَاحَتِهِ فِي صِحَّةِ الذَّكَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَدٌّ.
وَأَمَّا الْبَعِيرُ وَنَحْوُهُ إذَا تَوَحَّشَ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ, فَإِنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ فِي ذَكَاتِهِ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: نَدَّ عَلَيْنَا بَعِيرٌ فَرَمَيْنَاهُ بِالنَّبْلِ, ثُمَّ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَإِذَا نَدَّ مِنْهَا شَيْءٌ فَاصْنَعُوا بِهِ ذَلِكَ وَكُلُوهُ" ; وَقَالَ سُفْيَانُ: وَزَادَ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ: فَرَمَيْنَاهُ بِالنَّبْلِ حَتَّى رَهَصْنَاهُ١. فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ أَكْلِهِ إذَا قَتَلَهُ النَّبْلُ لِإِبَاحَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ ذَكَاةِ غَيْرُهُ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قال: يا رسول الله
١ قوله: "رهضناه" أي أوهناه. "لمصححه".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute