للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَرَجَ مَيِّتًا، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ مُجَالِدٍ مِنْهُمْ هُشَيْمٌ وَأَبُو أُسَامَةَ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ أَنَّهُ خَرَجَ مَيِّتًا، وَإِنَّمَا قَالُوا: سُئِلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ الْجَنِينِ يَكُونُ فِي بَطْنِ الْجَزُورِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ الشَّاةِ، فَقَالَ: "كُلُوهُ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ" وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ قَالَ كُلُّ مَنْ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِمَّنْ قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ لَمْ يَذْكُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَرَجَ مَيِّتًا، وَلَمْ تَجِئْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ إلَّا فِي رِوَايَةِ السَّاجِيِّ. وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ عِنْدِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ.

فَإِنْ احْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: ١] أَنَّهَا الْأَجِنَّةُ، قِيلَ لَهُ: إنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا جَمِيعُ الْأَنْعَامِ، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: ١] الْخِنْزِيرُ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ الشَّاةُ وَالْبَعِيرُ وَالْبَقَرَةُ. وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْعَامِ وَلَا تَكُونَ مَقْصُورَةً عَلَى الْجَنِينِ دُونَ غَيْرِهِ; لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِلَا دَلَالَةٍ. وَأَيْضًا فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَجِنَّةَ فَهِيَ عَلَى إبَاحَتِهَا بِالذَّكَاةِ كَسَائِرِ الْأَنْعَامِ هِيَ مُبَاحَةٌ بِشَرْطِ ذَكَاتِهَا، وَكَالْجَنِينِ إذَا خَرَجَ حَيًّا هُوَ مُبَاحٌ بِشَرْطِ الذَّكَاةِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْله تَعَالَى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: ١] إذَا كَانَ الْمُرَادُ مَا سَيُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ فِي الْحَالِ، فَهُوَ مُجْمَلٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ; لِأَنَّهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: بَعْضُ الْأَنْعَامِ مُبَاحٌ وَبَعْضُهُ مَحْظُورٌ. وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ عُمُومِ شَيْءٍ مِنْهُ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَمَّا كَانَ حُكْمُ الْجَنِينِ حُكْمَ أُمِّهِ فِيمَنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَمَاتَتْ وَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِحُكْمِ نَفْسِهِ، كَانَ كَذَلِكَ حُكْمُهُ فِي الذَّكَاةِ إذَا مَاتَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِمَوْتِهَا، وَلَوْ خَرَجَ الْوَلَدُ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ انْفَرَدَ بِحُكْمِ نَفْسِهِ دُونَ أُمِّهِ فِي إيجَابِ الْغُرَّةِ فِيهِ، فَكَذَلِكَ جَنِينُ الْحَيَوَانِ إذَا مَاتَ بِمَوْتِ أُمِّهِ وَخَرَجَ مَيِّتًا أُكِلَ، وَإِذَا خَرَجَ حَيًّا لَمْ يُؤْكَلْ حَتَّى يُذَكَّى قِيلَ لَهُ: هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ قِيَاسُ حُكْمٍ عَلَى حُكْمٍ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ بِعِلَّةٍ تُوجِبُ رَدَّ إحْدَاهُمَا إلَى الْأُخْرَى. فَأَمَّا فِي قِيَاسِ مَسْأَلَةٍ عَلَى مَسْأَلَةٍ فِي حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقِيَاسٍ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي اسْتَشْهَدْت بِهَا إنَّمَا حُكْمُهَا ضَمَانُ الْجَنِينِ فِي حَالِ انْفِصَالِهِ مِنْهَا حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهَا، وَمَسْأَلَتُنَا إنَّمَا هِيَ فِي إثْبَاتِ ذَكَاةِ الْأُمِّ لَهُ فِي حَالِ مَنْعِهِ فِي حَالٍ أُخْرَى، فَكَيْفَ يَصِحُّ رَدُّ هَذِهِ إلَى تِلْكَ؟ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ شَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا لَمْ يَجِبْ لِلْجَنِينِ أَرْشٌ وَلَا قِيمَةٌ عَلَى الضَّارِبِ وَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهِ نُقْصَانُ الْأُمِّ إنْ حَدَثَ بِهَا نُقْصَانٌ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِجَنِينِ الْبَهَائِمِ بَعْدَ الِانْفِصَالِ حُكْمٌ فِي حَيَاةِ الْأُمِّ وَثَبَتَ ذَلِكَ لِجَنِينِ الْمَرْأَةِ. فَكَيْفَ يَجُوزُ قِيَاسُ الْبَهِيمَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَقَدْ اخْتَلَفَ حُكْمُهُمَا فِي نَفْسِ ما ذكرت؟

<<  <  ج: ص:  >  >>