للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ احْتَجَّ الْمُخَالِفُ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ وَقَدْ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ جُمُعَةً: "أَصَبْت السُّنَّةَ", وَبِمَا رَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ كَثِيرٍ بْنِ شِنْظِيرٍ عَنْ الْحَسَنِ, أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فَلَا يُوَقِّتُونَ. قِيلَ لَهُ: قَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ حِينَ أَنْكَرَ عَلَى سَعْدٍ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ: "يَا بُنَيَّ عَمُّك أَفْقَهُ مِنْك, لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ" سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: "ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ" وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ التَّوْقِيتُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي بَيَّنَّاهُ, فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُقْبَةَ حِينَ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ جُمُعَةً: "أَصَبْت السُّنَّةَ" يَعْنِي: أَنَّك أَصَبْت السُّنَّةَ فِي الْمَسْحِ, وَقَوْلُهُ: "إنَّهُ مَسَحَ جُمُعَةً" إنَّمَا عَنَى بِهِ أَنَّهُ مَسَحَ جُمُعَةً عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمَسْحُ, كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: "مَسَحْت شَهْرًا عَلَى الْخُفَّيْنِ" وَهُوَ يَعْنِي عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْمَسْحُ; لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّهُ مَسَحَ جُمُعَةً دَائِمًا لَا يَفْتُرُ, وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْمَسْحَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمَسْحِ, كَذَلِكَ إنَّمَا أَرَادَ الْوَقْتَ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ الْمَسْحُ. وَكَمَا تَقُولُ: "صَلَّيْت الْجُمُعَةَ شَهْرًا بِمَكَّةَ" وَالْمَعْنَى: فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا فِعْلُ الْجُمُعَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ: "أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ سَافَرَ مَعَهُمْ كَانُوا لَا يُوَقِّتُونَ" فَإِنَّهُ إنَّمَا عَنَى بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ رُبَّمَا خَلَعُوا الْخِفَافَ فِيمَا بَيْنَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ, وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يُدَاوِمُونَ عَلَى مَسْحِ الثَّلَاثِ حَسْبَمَا قَدْ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا يَكَادُونَ يَتْرُكُونَ خِفَافَهُمْ لَا يَنْزِعُونَهَا ثَلَاثًا; فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَمْسَحُونَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ.

فَإِنْ قِيلَ: فِي حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ" وَلَوْ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا. وَفِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: "نَعَمْ" قَالَ: يَوْمًا؟ قَالَ: "وَيَوْمَيْنِ" قَالَ: وَثَلَاثَةً؟ قَالَ: "نَعَمْ, وَمَا شِئْت". وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ: حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا. قِيلَ لَهُ: أَمَّا حَدِيثُ خُزَيْمَةَ وَمَا قِيلَ فِيهِ "وَلَوْ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا" فَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ مِنْ الرَّاوِي, وَالظَّنُّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا. وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ, فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ, وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ, وَلَوْ ثَبَتَ كَانَ قَوْلُهُ: "وَمَا شِئْت" عَلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ بِالثَّلَاثِ مَا شَاءَ, وَغَيْرُ جَائِزٍ الِاعْتِرَاضُ عَلَى أَخْبَارِ التَّوْقِيتِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الشَّاذَّةِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلْمَعَانِي مَعَ اسْتِفَاضَةِ الرِّوَايَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْقِيتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>