للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْكُفْرِ وَقِيلَ: إنَّمَا لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ قَرَّبَ شَرَّ مَالِهِ وَقَرَّبَ الْآخَرُ خَيْرَ مَالِهِ فَتُقُبِّلَ مِنْهُ. وَقِيلَ: بَلْ رُدَّ قُرْبَانُهُ لِأَنَّهُ كَانَ فَاجِرًا, وَإِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ. وَقِيلَ: كَانَتْ عَلَامَةُ الْقَبُولِ أَنْ تَجِيءَ نَارٌ فَتَأْكُلَ الْمُتَقَبَّلَ وَلَا تَأْكُلُ الْمَرْدُودَ, وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ} [آل عمران: ١٨٣] إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَبِالَّذِي قُلْتُمْ} [آل عمران: ١٨٣] .

قَوْله تَعَالَى: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "مَعْنَاهُ لَئِنْ بَدَأْتنِي بِقَتْلٍ لَمْ أَبْدَأْك بِهِ" وَلَمْ يُرِدْ أَنِّي لَا أَدْفَعُك عَنْ نَفْسِي إذَا قَصَدْت قَتْلِي; فَرُوِيَ أَنَّهُ قَتَلَهُ غِيلَةً بِأَنْ أَلْقَى عَلَيْهِ صَخْرَةً وَهُوَ نَائِمٌ فَشَدَخَهُ بِهَا. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُ كُتِبَ عَلَيْهِمْ إذَا أَرَادَ رَجُلٌ قَتْلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ وَلَا يَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَجَائِزٌ فِي الْعَقْلِ وُرُودُ الْعِبَادَةِ بِمِثْلِهِ, فَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ هُوَ الْأَوَّلُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ بِقَتْلِ مَنْ أَرَادَ قَتْلَهُ, وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ لَا يَبْدَأُ بِقَتْلِ غَيْرِهِ; وَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ هُوَ الثَّانِي فَهُوَ مَنْسُوخٌ لَا مَحَالَةَ, وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نَسْخُهُ بِشَرِيعَةِ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ, وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نَسْخُهُ بِشَرِيعَةِ نبينا صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>