للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو شهيد, ومن قتل دون أهله فهو شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ". وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ" فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الدَّافِعَ عَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ شَهِيدٌ, وَلَا يَكُونُ مَقْتُولًا دُونَ مَالِهِ إلَّا وَقَدْ قَاتَلَ دُونَهُ; وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ, وَذَاكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ" فَأَمَرَ بِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ, وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَغْيِيرُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ بِمُقْتَضَى ظَاهِرُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ رَجُلًا لَوْ شَهَرَ سَيْفَهُ عَلَى رَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَتْلَهُ, فَكَذَلِكَ جَائِزٌ لِلْمَقْصُودِ بِالْقَتْلِ قَتْلُهُ; وَقَدْ قَتَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْخَوَارِجَ حِينَ قَصَدُوا قَتْلَ النَّاسِ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ مُوَافِقُونَ لَهُ عَلَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آثَارٌ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِمْ, مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ فِيهِمْ قَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقَوْلَ وَيُسِيئُونَ الْعَمَلَ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ طُوبَى لِمَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ" فِي آثَارٍ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ, وَقَدْ تَلَقَّتْهَا السَّلَفُ بِالْقَبُولِ وَاسْتَعْمَلَتْهَا فِي وُجُوبِ قَتْلِهِمْ وَقِتَالِهِمْ. وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَأْتِينِي يُرِيدُ مَالِي؟ قَالَ: ذَكِّرْهُ اللَّهَ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ؟ قَالَ: اسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَنْ حَوْلَك مِنْ الْمُسْلِمِينَ" قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَوْلِي مِنْهُمْ؟ قَالَ: فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ السُّلْطَانَ قَالَ: فَإِنْ نَأَى عَنِّي السُّلْطَانُ؟ قَالَ: "قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ حَتَّى تَمْنَعَ مَالَك أَوْ تَكُونَ شَهِيدًا فِي الْآخِرَةِ".

وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ الْحَشَوِيَّةِ إلَى أَنَّ عَلَى مَنْ قَصَدَهُ إنْسَانٌ بِالْقَتْلِ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُ وَلَا يَدْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ, وَتَأَوَّلُوا فِيهِ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ كَفَّ يَدَهُ عَنْ قَتْلِهِ حِينَ قَصَدَهُ بِالْقَتْلِ, وَإِنَّمَا الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْدَأُ بِالْقَتْلِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَلَوْ ثَبَتَ حُكْمُ الْآيَةِ عَلَى مَا ادَّعَوْهُ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ دَفْعَهُمْ عَنْهُ وَإِنْ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ. وَتَأَوَّلَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا قَوْلَهَا أَحَادِيثَ رُوِيَتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ" فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: "إنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ". وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جَدْعَانَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنْ اسْتَطَعْت أَنْ تَكُونَ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ فَافْعَلْ وَلَا تَقْتُلْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ". وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>