يَدِهِ وَرِجْلِهِ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْفِيَهُ مِنْ الْقَتْلِ أَوْ الصَّلْبِ. وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ الْقَائِلُونَ بِالتَّخْيِيرِ لَكَانَ التَّخَيُّرُ ثَابِتًا فِيمَا إذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَقَتَلُوا أَوْ أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا, فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْآيَةِ ضَمِيرًا وَهُوَ أَنْ يُقْتَلُوا إنْ قَتَلُوا, أَوْ يُصْلَبُوا إنْ قتلوا وأخذوا المال, أو تقطع أيديهم وأرجلهم مِنْ خِلَافٍ إنْ أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا, أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ إنْ خَرَجُوا وَلَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى ظُفِرَ بِهِمْ.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالتَّخْيِيرِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ بِمَنْزِلَةِ قَتْلِ النَّفْسِ فِي بَابِ وُجُوبِ قَتْلِهِ, وَالْمُحَارِبُونَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بِخُرُوجِهِمْ وَامْتِنَاعِهِمْ وَإِخَافَتِهِمْ السَّبِيلَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا. وَلَيْسَ مَا ذَكَرُوهُ بِمُوجِبٍ لِلتَّخْيِيرِ مَعَ قِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَى ضَمِيرِ الْآيَةِ وَتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ دُونَ مُقْتَضَى ظَاهِرِهَا, وَهُوَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُوجِبَةً لِلتَّخْيِيرِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا ضَمِيرٌ لَكَانَ الْخِيَارُ بَاقِيًا إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فِي الْعُدُولِ عَنْ قَتْلِهِمْ وَقَطْعِهِمْ إلَى نَفْيِهِمْ, فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ الْعُدُولُ عَنْ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ فِي هَذِهِ الْحَالِ صَحَّ أَنَّ مَعْنَاهَا أَنْ يُقْتَلُوا إنْ قَتَلُوا أَوْ يُصْلَبُوا إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تُقَطَّعُ أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أخذوا المال.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّمَا وَجَبَ قَتْلُهُمْ إذَا قَتَلُوا وَقَطْعُهُمْ إذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى النَّفْيِ; لِأَنَّ الْقَتْلَ عَلَى الِانْفِرَادِ يُسْتَحَقُّ بِهِ الْقَتْلُ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحَارِبًا وَأَخَذَ الْمَالَ يُسْتَحَقُّ بِهِ الْقَطْعُ إذَا كَانَ سَارِقًا; فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ فِي هَذِهِ الْحَالِ الْعُدُولُ إلَى النَّفْيِ وَتَرْكُ الْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ. قِيلَ لَهُ قَتْلُ الْمُحَارِبِ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَقَطْعُهُ حَدٌّ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْقَوَدِ, أَلَا تَرَى أَنَّ عَفْوَ الْأَوْلِيَاءِ غَيْرُ جَائِزٍ فِيهِ؟ فَثَبَتَ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحَدِّ; لِأَنَّهُ قُتِلَ عَلَى وَجْهِ الْمُحَارَبَةِ, وَوَجَبَ قَطْعُهُ لِأَخْذِهِ الْمَالَ عَلَى وَجْهِ الْمُحَارَبَةِ, فَإِذَا لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْتَلَ وَلَا يُقْطَعَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَتْلُ وَاجِبًا حَدًّا لَمَا جَازَ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى النَّفْيِ وَكَذَلِكَ الْقَطْعُ, كَمَا أَنَّهُمْ إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْ الْقَتْلِ أَوْ الْقَطْعِ إلَى النَّفْيِ; إذْ كَانَ وُجُوبُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحَدِّ; وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُحَارِبَ لَا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ إلَّا إذَا قَتَلَ وَلَا الْقَطْعَ إلَّا إذَا أَخَذَ الْمَالَ. وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلًا مُبْتَدَأً لِأَنَّ الْقَتْلَ إذَا وَجَبَ حَدًّا لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ, وَكَذَلِكَ الْقَطْعُ كَالزَّانِي وَالسَّارِقِ; فَلَمَّا جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ قَتْلِ الْمُحَارِبِ الَّذِي لَمْ يَقْتُلْ إلَى النَّفْيِ عَلِمْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْقَتْلِ بِنَفْسِ الْخُرُوجِ, وَكَمَا لَوْ قَتَلَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْفَى عَنْ قَتْلِهِ, فَلَوْ كَانَ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ بِنَفْسِ الْمُحَارَبَةِ لَمَا جَازَ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهُ كَمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهُ إذا قتل.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute