وَالسَّرِقَةُ اسْمٌ لُغَوِيٌّ مَفْهُومُ الْمَعْنَى عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ بِنَفْسِ وُرُودِهِ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَى بَيَانٍ وَكَذَلِكَ حُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ وَإِنَّمَا عَلَّقَ بِهَذَا الِاسْمِ حُكْمَ الْقَطْعِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالْإِجَارَةِ وَسَائِرِ الْأُمُورِ الْمَعْقُولَةِ مَعَانِيهَا مِنْ اللُّغَةِ قَدْ عُلِّقَتْ بِهَا أَحْكَامٌ يَجِبُ اعْتِبَارُ عُمُومِهَا بِوُجُوبِ الِاسْمِ إلَّا مَا قَامَ دَلِيلُ خُصُوصِهِ فَلَوْ خُلِّينَا وظاهر قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} لَوَجَبَ إجْرَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الِاسْمِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ إلَّا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنًى غَيْرِ الِاسْمِ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ فِي إيجَابِهِ وَهُوَ الْحِرْزُ وَالْمِقْدَارُ فَهُوَ مُجْمَلٌ مِنْ جِهَةِ الْمِقْدَارِ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ مِنْ غَيْرِهِ فِي إثْبَاتِهِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ اعْتِبَارُ عُمُومِهِ فِي إيجَابِ الْقَطْعِ فِي كُلِّ مِقْدَارٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى إجْمَالِهِ وَامْتِنَاعِ اعْتِبَارِ عُمُومِهِ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَبِي وَاقَدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ" وَرَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي النَّصْرِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: "لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَمَا فَوْقَ". وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَيْمَنَ الْحَبَشِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَدْنَى مَا يُقْطَعُ فِيهِ السَّارِقُ ثَمَنُ الْمِجَنِّ" فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ فِي إيجَابِ الْقَطْعِ مَوْقُوفٌ عَلَى ثَمَنِ الْمِجَنِّ فَصَارَ ذَلِكَ كَوُرُودِهِ مَعَ الْآيَةِ مَضْمُومًا إلَيْهَا وَكَانَ تَقْدِيرُهَا: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا إذَا بَلَغَتْ السَّرِقَةُ ثَمَنَ الْمِجَنِّ وَهَذَا لَفْظٌ مُفْتَقِرٌ إلَى الْبَيَانِ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِنَفْسِهِ فِي إثْبَاتِ الْحُكْمِ وَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ لَمْ يَصِحَّ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِهِ وَوَجْهٌ آخَرُ يَدُلُّ عَلَى إجْمَالِهَا فِي هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ السَّلَفِ فِي تَقْوِيمِ الْمِجَنِّ فَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَيْمَنَ الْحَبَشِيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَعَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ فِي آخَرِينَ: "أَنَّ قِيمَتَهُ كَانَتْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ" وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ" وَقَالَ أَنَسٌ وَعُرْوَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ: "قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ" وَقَالَتْ عَائِشَةُ ثَمَنُ الْمِجَنِّ رُبْعُ دِينَارٍ" وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَقْوِيمًا مِنْهُمْ لِسَائِرِ الْمَجَانِّ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ كَاخْتِلَافِ الثِّيَابِ وَسَائِرِ الْعُرُوضِ فَلَا مَحَالَةَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَقْوِيمًا لِلْمِجَنِّ الَّذِي قَطَعَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْلُومٌ أَيْضًا أَنَّهُمْ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَى تَقْوِيمِهِ مِنْ حَيْثُ قَطَعَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; إذْ لَيْسَ فِي قَطْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ دَلَالَةٌ عَلَى نَفْيِ الْقَطْعِ عَمَّا دُونَهُ كَمَا أَنَّ قَطْعَهُ السَّارِقَ فِي الْمِجَنِّ غَيْرُ دَالٍّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْقَطْعِ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ إذَا كَانَ مَا فَعَلَهُ بَعْضَ مَا تَنَاوَلَهُ لَفْظُ الْعُمُومِ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْحَادِثَةِ فَإِذًا لَا مَحَالَةَ قَدْ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْقِيفٌ لَهُمْ حِينَ قَطَعَ السَّارِقَ عَلَى نَفْيِ الْقَطْعِ فِيمَا دُونَهُ, فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى إجْمَالِ حُكْمِ الْآيَةِ فِي الْمِقْدَارِ كَدَلَالَةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا لَفْظًا مِنْ نَفْيِ الْقَطْعِ عَمَّا دُونَ قِيمَةِ الْمِجَنِّ, فَلَمْ يَجُزْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ اعْتِبَارُ عُمُومِ الْآيَةِ فِي إثْبَاتِ الْمِقْدَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute