أَثْبَتْنَاهَا وَلَمْ نُثْبِتْ مَا دُونَهَا لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ وَالِاتِّفَاقِ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ مُجْمَلٌ بِمَا اقْتَرَنَ إلَيْهِ مِنْ تَوْقِيفِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى اعْتِبَارِ ثَمَنِ الْمِجَنِّ وَمِنْ اتِّفَاقِ السَّلَفِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِعُمُومِهِ وَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ الِاتِّفَاقِ فِي الْقَطْعِ فِي الْعَشَرَةِ وَنَفْيُهُ عَمَّا دُونَهَا لِمَا وَصَفْنَا وَقَدْ رُوِيَتْ أَخْبَارٌ تُوجِبُ اعْتِبَارَ الْعَشَرَةِ فِي إيجَابِ الْقَطْعِ مِنْهَا مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ الْحَجَّاجِ عَنْ عَمْرِو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا قَطْعَ فِيمَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ" وَقَدْ سَمِعْنَا أَيْضًا فِي سُنَنِ ابْنِ قَانِعٍ حَدِيثًا رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ زُحَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ". وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: إنَّ عُرْوَةَ وَالزُّهْرِيَّ وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُونَ لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَقَالَ: أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَضَتْ السُّنَّةُ فِيهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَيْمَنُ الْحَبَشِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَقَالُوا: كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ.
فَإِنْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ" قِيلَ لَهُ: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى مَوْضِعِ الْخِلَافِ لِأَنَّهُمَا قَوَّمَاهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَقَدْ قَوَّمَهُ غَيْرُهُمَا عَشَرَةً فَكَانَ تَقْدِيمُ الزَّائِدِ أَوْلَى وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَقَدْ قِيلَ إنَّ الصَّحِيحَ مِنْهُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا غَيْرُ مَرْفُوعٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ مِنْ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ مَوْقُوفًا وَرَوَى يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إلَّا فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ ثُلُثِ دِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا". وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ يَدَ السَّارِقِ لَمْ تَكُنْ تُقْطَعُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَدْنَى مِنْ ثَمَنِ الْمِجَنِّ, وَكَانَ الْمِجَنُّ يَوْمئِذٍ لَهُ ثَمَنٌ وَلَمْ تَكُنْ تُقْطَعُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ "; فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ عِنْدَ عَائِشَةَ مِنْ ذَلِكَ الْقَطْعِ فِي ثَمَنِ الْمِجَنِّ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ ذَلِكَ; إذْ لَوْ كَانَ عِنْدَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مَعْلُومُ الْمِقْدَارِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ لَمْ تَكُنْ بِهَا حَاجَةٌ إلَى ذِكْرِ ثَمَنِ الْمِجَنِّ; إذْ كَانَ ذَلِكَ مُدْرَكًا مِنْ جِهَةِ الِاجْتِهَادِ وَلَا حَظَّ لِلِاجْتِهَادِ مَعَ النَّصِّ. وَهَذَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْهَا مَرْفُوعٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ ثَبَتَ فَإِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرٌ مِنْهَا لِثَمَنِ الْمِجَنِّ اجْتِهَادًا; وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا" قَالَ أَيُّوبُ: وَحَدَّثَ بِهِ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute