للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدُّخُولِ إلَيْهِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَانُوتِ حَافِظٌ لَهُ; وَمَعْلُومٌ أَنَّ إذْنَهُ لَهُ فِي دُخُولِهِ قَدْ أَخْرَجَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ فِيهِ مُحْرَزًا مِنْهُ, فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُؤْتَمَنِ; وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَمَّامِ وَالْحَانُوتِ الْمَأْذُونِ فِي دُخُولِهِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ الْحَانُوتِ وَالْخَانِ الْمَأْذُونِ لَهُ. قِيلَ لَهُ: هُوَ كَالْخَائِنِ لِلْوَدَائِعِ وَالْعَوَارِيِّ وَالْمُضَارَبَاتِ وَغَيْرِهَا; إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا ذَكَرْنَا وَبَيْنَهَا, وَقَدْ ائْتَمَنَهُ صَاحِبُهُ بِأَنْ لَمْ يُحْرِزْهُ كَمَا ائْتَمَنَهُ فِي إيدَاعِهِ; وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: "إذَا سَرَقَ مِنْ الْحَمَّامِ قُطِعَ".

وَاخْتُلِفَ فِي قَطْعِ النَّبَّاشِ, فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ: "لَا قَطْعَ عَلَى النَّبَّاشِ" وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَكْحُولٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: "اجْتَمَعَ رَأْيُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَمَنٍ كَانَ مَرْوَانُ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ أَنَّ النَّبَّاشَ لَا يُقْطَعُ وَيُعَزَّرُ, وَكَانَ الصَّحَابَةُ مُتَوَافِرِينَ يَوْمئِذٍ". وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو الزِّنَادِ وَرَبِيعَةُ: "يُقْطَعُ" وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ, وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْقَبْرَ لَيْسَ بِحِرْزٍ, وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَاكَ دَرَاهِمَ مَدْفُونَةً فَسَرَقَهَا لَمْ يُقْطَعْ لِعَدَمِ الْحِرْزِ, وَالْكَفَنُ كَذَلِكَ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْأَحْرَازَ مُخْتَلِفَةٌ, فَمِنْهَا شَرِيجَةُ الْبَقَّالِ حِرْزٌ لِمَا فِي الْحَانُوتِ, وَالْإِصْطَبْلُ حِرْزٌ لِلدَّوَابِّ, وَالدُّورُ لِلْأَمْوَالِ, وَيَكُونُ الرَّجُلُ حِرْزًا لِمَا هُوَ حَافِظٌ لَهُ, وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حِرْزٌ لِمَا يُحْفَظُ بِهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي الْعَادَةِ وَلَا يَكُونُ حِرْزًا لِغَيْرِهِ, فَلَوْ سَرَقَ دَرَاهِمَ مِنْ إصْطَبْلٍ لَمْ يُقْطَعْ, وَلَوْ سَرَقَ مِنْهُ دَابَّةً قُطِعَ; كَذَلِكَ الْقَبْرُ هُوَ حِرْزٌ لِلْكَفَنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا لِلدَّرَاهِمِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَحْرَازَ عَلَى اخْتِلَافِهَا فِي أَنْفُسِهَا لَيْسَتْ مُخْتَلِفَةً فِي كَوْنِهَا حِرْزًا لِجَمِيعِ مَا يُجْعَلُ فِيهَا لِأَنَّ الْإِصْطَبْلَ لَمَّا كَانَ حِرْزًا لِلدَّوَابِّ فَهُوَ حِرْزٌ لِلدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ وَيُقْطَعُ فِيمَا يَسْرِقُهُ مِنْهُ, وَكَذَلِكَ حَانُوتُ الْبَقَّالِ هُوَ حِرْزٌ لِجَمِيعِ مَا فِيهِ مِنْ ثِيَابٍ وَدَرَاهِمَ وَغَيْرِهَا; فَقَوْلُ الْقَائِلِ" الْإِصْطَبْلُ حِرْزٌ لِلدَّوَابِّ وَلَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ دَرَاهِمَ غَلَطٌ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنَّ قَضِيَّتَك هَذِهِ لَوْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَكَانَتْ مَانِعَةً مِنْ إيجَابِ قَطْعِ النَّبَّاشِ; لِأَنَّ الْقَبْرَ لَمْ يُحْفَرْ لِيَكُونَ حِرْزًا لِلْكَفَنِ فَيُحْفَظُ بِهِ, وَإِنَّمَا يُحْفَرُ لِدَفْنِ الْمَيِّتِ وَسَتْرِهِ عَنْ عُيُونِ النَّاسِ; وَأَمَّا الْكَفَنُ فَإِنَّمَا هُوَ لِلْبِلَى وَالْهَلَاكِ. وَدَلِيلٌ آخَرُ, وَهُوَ أَنَّ الْكَفَنَ لَا مَالَك لَهُ, وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ, فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ وَلَا مَوْقُوفَ عَلَى أَحَدٍ; فَلَمَّا صَحَّ أَنَّهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَجَبَ أَنْ لَا يَمْلِكَهُ الْوَارِثُ كَمَا لَا يَمْلِكُونَ مَا صُرِفَ فِي الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>