للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجُمَّارَ فَقَدْ نَفَى الْقَطْعَ عَنْهُ لِأَنَّهُ مِمَّا يَفْسُدُ وَهُوَ أَصْلٌ فِي كُلِّ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ النَّخْلَ فَقَدْ دَلَّ عَلَى نَفْيِ الْقَطْعِ فِي الْخَشَبِ فَنَسْتَعْمِلُهُمَا عَلَى فَائِدَتَيْهِمَا جَمِيعًا وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قَطْعَ فِي خَشَبِ إلَّا السَّاجِ وَالْقَنَا وَكَذَلِكَ يَجِيءُ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْأَبَنُوسِ. وَذَلِكَ أَنَّ السَّاجَ وَالْقَنَا وَالْأَبَنُوسَ لَا يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا مَالًا فَهُوَ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ. وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ مَا يُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَالًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْأَمْلَاكَ الصَّحِيحَةَ هِيَ الَّتِي تُوجَدُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَا كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَيْسَ بِمِلْكٍ صَحِيحٍ لِأَنَّهَا دَارُ إبَاحَةٍ وَأَمْلَاكُ أَهْلِهَا مُبَاحَةٌ فَلَا يَخْتَلِفُ فِيهَا حُكْمُ مَا كَانَ مِنْهُ مَالًا مَمْلُوكًا وَمَا كَانَ مِنْهُ مُبَاحًا فَلِذَلِكَ سَقَطَ اعْتِبَارُ كَوْنِهَا مُبَاحَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاعْتُبِرَ حُكْمُ وُجُودِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَمَّا لَمْ تُوجَدْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا مَالًا كَانَتْ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَيْسَتْ مُبَاحَةَ الْأَصْلِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ النَّخْلُ غَيْرُ مُبَاحِ الْأَصْلِ قِيلَ لَهُ هُوَ مُبَاحُ الْأَصْلِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ كَسَائِرِ الْجِنْسِ الْمُبَاحِ الْأَصْلُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا مَمْلُوكًا بِالْأَخْذِ وَالنَّقْلِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ. وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ قَالَ "هِيَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهَا وَالنَّكَالُ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ قَطْعٌ إلَّا مَا أَوَاهُ الْمُرَاحُ فَإِذَا أَوَاهُ الْمُرَاحُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ قَطْعُ الْيَدِ وَمَا لَمْ يَبْلُغْ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ غَرَامَةُ مِثْلِهِ وَجَلَدَاتُ النَّكَالِ" قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ قَالَ "هِيَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ وَالنَّكَالُ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ قَطْعٌ إلَّا مَا أَوَاهُ الْجَرِينُ فَمَا أَخَذَهُ مِنْ الْجَرِينِ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ الْقَطْعُ وَمَا لَمْ يَبْلُغْ فَفِيهِ غَرَامَةُ مِثْلِهِ وَجَلَدَاتُ النَّكَالِ". فَنَفَى فِي حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الْقَطْعَ عَنْ الثَّمَرِ رَأْسًا وَنَفَى فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْقَطْعَ عَنْ الثَّمَرِ إلَّا مَا أَوَاهُ الْجَرِينُ وَقَوْلُهُ "حَتَّى يَأْوِيَهُ الْجَرِينُ" يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْحِرْزُ وَالْآخَرُ الْإِبَانَةُ عَنْ حَالِ اسْتِحْكَامِهِ وَامْتِنَاعِ إسْرَاعِ الْفَسَادِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَأْوِيهِ الْجَرِينُ إلَّا وَهُوَ مُسْتَحْكِمٌ فِي الْأَغْلَبِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: ١٤١] وَلَمْ يُرِدْ بِهِ وُقُوعَ الْحَصَادِ. وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ بُلُوغَهُ وَقْتَ الْحَصَادِ وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ "لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ" وَلَمْ يُرِدْ بِهِ وُجُودَ الْحَيْضِ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ حُكْمِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَقَوْلِهِ "إذَا زَنَى الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ" وَلَمْ يُرِدْ بِهِ السِّنَّ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْإِحْصَانَ وَقَوْلِهِ "فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ". أَرَادَ دُخُولَهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِأُمِّهَا مَخَاضٌ لِأَنَّ الْأَغْلَبَ إذَا صَارَتْ كَذَلِكَ كَانَ بِأُمِّهَا مَخَاضٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ "حَتَّى يَأْوِيَهُ الْجَرِينُ" يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بُلُوغَ حَالِ الِاسْتِحْكَامِ فَلَمْ يَجُزْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْ يَخُصَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>