للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْلَى لَا يُقْطَعُ حَتَّى يُقِرَّ مَرَّتَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أُتِيَ بِسَارِقٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا سَرَقَ فَقَالَ "مَا إخَالُهُ سَرَقَ" فَقَالَ السَّارِقُ بَلَى قَالَ فَاذْهَبُوا بِهِ "فَاقْطَعُوهُ فَقُطِعَ" وَرَوَاهُ غَيْرُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا هُرَيْرَةَ مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ حَصَلَتْ الرِّوَايَةُ مِنْ وَصْلٍ أَوْ قَطْعٍ فَحُكْمُهَا ثَابِتٌ لِأَنَّ إرْسَالَ مَنْ أَرْسَلَهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ وَصْلِ مَنْ وَصَلَهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ حَصَلَ مُرْسَلًا لَكَانَ حُكْمُهُ ثَابِتًا لِأَنَّ الْمُرْسَلَ وَالْمَوْصُولَ سَوَاءٌ عِنْدَنَا فِيمَا يُوجِبَانِ مِنْ الْحُكْمِ فَقَدْ قَطَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إنَّمَا قَطَعَهُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا سَرَقَ قِيلَ لَهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا وَلَمْ يُلَقِّنْهُ الْجُحُودَ فَلَمَّا قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِمْ سَرَقَ "وَمَا إخَالُهُ سَرَقَ" وَلَمْ يَقْطَعْهُ حَتَّى أَقَرَّ ثَبَتَ أَنَّهُ قُطِعَ بِإِقْرَارِهِ دُونَ الشَّهَادَةِ.

فَإِنَّ احْتَجُّوا بِمَا رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الْمُنْذِرِ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلِصٍّ اعْتَرَفَ اعْتِرَافًا وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ الْمَتَاعُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَا إخَالُكَ سَرَقْت" قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالَ بَلَى فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْهُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَهُوَ أَقْوَى إسْنَادًا مِنْ الْأَوَّلِ قِيلَ لَهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ إقْرَارُ السَّارِقِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُقِرَّ ثُمَّ أَقَرَّ.

فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ ذُكِرَ فِيهِ أَنَّهُ اعْتَرَفَ اعْتِرَافًا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ "مَا إخَالُكَ سَرَقْت" وَأَعَادَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قِيلَ لَهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُرِيدُ اعْتَرَفَ بَعْدَمَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الِاعْتِرَافُ قَدْ حَصَلَ مِنْهُ عِنْدَ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ الْقَطْعَ عَلَيْهِ وَأَيْضًا لَوْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَادَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ لَمَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ الْأَوَّلَ لَمْ يُوجِبْ الْقَطْعَ; إذْ لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ قَدْ وَجَبَ وَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَصَّلَ إلَى إسْقَاطِهِ بِتَلْقِينِهِ الرُّجُوعَ عَنْهُ.

فَإِنْ قِيلَ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ "مَا يَنْبَغِي لِوَالٍ آمِرٍ أَنْ يُؤْتَى لَحَدٍّ إلَّا أَقَامَهُ" فَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ وَاجِبًا بِإِقْرَارِهِ بَدِيًّا لَمَا اشْتَغَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَلْقِينِهِ الرُّجُوعَ عَنْ الْإِقْرَارِ وَلَسَارَعَ إلَى إقَامَتِهِ قِيلَ لَهُ لَيْسَ وُجُوبُ الْقَطْعِ مَانِعًا مِنْ اسْتِثْبَاتِ الْإِمَامِ إيَّاهُ فِيهِ وَلَا مُوجِبًا عَلَيْهِ قَطْعَهُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ مَاعِزًا قَدْ أَقَرَّ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالزِّنَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَرْجُمْهُ حتى استثبته

<<  <  ج: ص:  >  >>