للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية معاني: مِنْهَا الْأَخْبَارُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَكَمَ عَلَى الْيَهُودِ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ. وَمِنْهَا: أَنَّ حُكْمَ التَّوْرَاةِ كَانَ بَاقِيًا فِي زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ مَبْعَثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْ نَسْخَهُ; وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يُنْسَخْ بِشَرِيعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنْهَا إيجَابُ الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنْ لَا يَعْدِلَ عَنْهُ وَلَا يُحَابِي فِيهِ مَخَافَةَ النَّاسِ. وَمِنْهَا: تَحْرِيمُ أَخْذِ الرُّشَا فِي الْأَحْكَامِ, وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً} .

وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "هُوَ فِي الْجَاحِدِ لِحُكْمِ اللَّهِ". وَقِيلَ: "هِيَ فِي الْيَهُودِ خَاصَّةً". وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ: "هِيَ عَامَّةٌ" يَعْنِي فِيمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَحَكَمَ بِغَيْرِهِ مُخْبِرًا أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى, وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ فَمَنْ جَعَلَهَا فِي قَوْمٍ خَاصَّةً وَهُمْ الْيَهُودُ, لَمْ يَجْعَلْ" مَنْ" بِمَعْنَى الشَّرْطِ, وَجَعَلَهَا بِمَعْنَى الَّذِي لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ, وَالْمُرَادُ قَوْمٌ بِأَعْيَانِهِمْ. وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ, وَذَكَرَ قِصَّةَ رَجْمِ الْيَهُودِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} الْآيَاتِ, إلَى قَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} قَالَ: "فِي الْيَهُودِ خَاصَّةً" وَقَوْلُهُ: {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} و {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} " فِي الْكُفَّارِ كُلِّهِمْ". وَقَالَ الْحَسَنُ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَهِيَ عَلَيْنَا وَاجِبَةٌ. وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: "نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ". وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ ثُمَّ جَرَتْ فِينَا". وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: قِيلَ لِحُذَيْفَةَ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} نَزَلَتْ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ؟ قَالَ: "نَعَمْ, الْإِخْوَةُ لَكُمْ بَنُو إسْرَائِيلَ, إنْ كَانَتْ لَكُمْ كُلُّ حُلْوَةٍ وَلَهُمْ كُلُّ مُرَّةٍ, وَلَتَسْلُكُنَّ طَرِيقَهُمْ قَدَّ الشِّرَاكِ". قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: "نَزَلَتْ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ وَرَضِيَ لَكُمْ بِهَا". وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ زَكَرِيَّا عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ الْأُولَى لِلْمُسْلِمِينَ وَالثَّانِيَةُ لِلْيَهُودِ وَالثَّالِثَةُ لِلنَّصَارَى". وَقَالَ طَاوُسٍ: "لَيْسَ بِكُفْرٍ يُنْقَلُ عَنْ الْمِلَّةِ" وَرَوَى طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "لَيْسَ الْكُفْرُ الَّذِي يَذْهَبُونَ إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} "وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ وَظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ وَفِسْقٌ دُونَ فِسْقٍ". وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: "لَيْسَ بِكُفْرِ شِرْكٍ وَلَا ظُلْمِ شِرْكٍ وَلَا فِسْقِ شِرْكٍ".

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ كُفْرَ الشِّرْكِ وَالْجُحُودِ أَوْ كُفْرً النِّعْمَةِ مِنْ غَيْرِ جُحُودٍ; فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ جُحُودَ حُكْمِ اللَّه أَوْ الْحُكْمَ بِغَيْرِهِ مَعَ الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ, فَهَذَا كُفْرٌ يُخْرِجُ عَنْ الْمِلَّةِ وَفَاعِلُهُ مُرْتَدٌّ إنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُسْلِمًا; وَعَلَى هَذَا تَأَوَّلَهُ مَنْ قَالَ: "إنَّهَا نَزَلَتْ فِي بني

<<  <  ج: ص:  >  >>