للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِثْلِ; وَالْقِصَاصُ هُوَ أَخْذُ الْمِثْلِ, فَمَتَى لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قِصَاصًا. وَقَالُوا: إنَّمَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْأَنْفِ إذَا قَطَعَ الْمَارِنَ, وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ وَنَزَلَ عَنْ قَصَبَةِ الْأَنْفِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ فِي الْأَنْفِ إذَا اُسْتُوْعِبَ الْقِصَاصَ, وَكَذَلِكَ الذَّكَرُ وَاللِّسَانُ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: "لَا قِصَاصَ فِي الْأَنْفِ وَاللِّسَانِ وَالذَّكَرِ إذَا اُسْتُوْعِبَ".

وقَوْله تَعَالَى: {وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ} فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْقِصَاصِ فِيهَا إذَا اُسْتُوْعِبَتْ لِإِمْكَانِ اسْتِيفَائِهِ, وَإِذَا قَطَعَ بَعْضَهَا فَإِنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: "فِيهِ الْقِصَاصُ إذَا كَانَ يُسْتَطَاعُ وَيُعْرَفُ قدره".

وقوله عز وجل: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} فَإِنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ إلَّا السِّنِّ, فَإِنْ قُلِعَتْ أَوْ كُسِرَ بَعْضُهَا فَفِيهَا الْقِصَاصُ, لِإِمْكَانِ اسْتِيفَائِهِ, إنْ كَانَ الْجَمِيعَ فَبِالْقَلْعِ كَمَا يُقْتَصُّ مِنْ الْيَدِ مِنْ الْمَفْصِلِ, وَإِنْ كَانَ الْبَعْضَ فَإِنَّهُ يُبْرَدُ بِمِقْدَارِهِ بِالْمِبْرَدِ, فَيُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِيهِ. وَأَمَّا سَائِرُ الْعِظَامِ فَغَيْرُ مُمْكِنٍ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا يُوقَفُ عَلَى حَدِّهِ; وَقَدْ اقْتَضَى مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ أَنْ يُؤْخَذَ الْكَبِيرُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِصَغِيرِهَا, وَالصَّغِيرُ بِالْكَبِيرِ, بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ مُقَابِلًا لِمَا جُنِيَ عَلَيْهِ لَا غَيْرِهِ.

وقَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} يَعْنِي إيجَابَ الْقِصَاصِ فِي سَائِرِ الْجِرَاحَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ فِيهَا. وَدَلَّ بِهِ عَلَى نَفْيِ الْقِصَاصِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمِثْلِ فيه لأن قوله: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} يَقْتَضِي أَخْذَ الْمِثْلِ سَوَاءً, وَمَتَى لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ فَلَيْسَ بِقِصَاصٍ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَشْيَاءَ مِنْ ذَلِكَ, مِنْهَا الْقِصَاصَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ, وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ, وَكَذَلِكَ بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>