للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الدِّيَاتِ حِينَ تَحَاكَمُوا إلَيْهِ فِي الْأَمْرَيْنِ.

قَوْله تَعَالَى: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَرَادَ أَنَّهُمْ يَفْتِنُونَهُ بِإِضْلَالِهِمْ إيَّاهُ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَى مَا يَهْوَوْنَ مِنْ الْأَحْكَامِ, إطْمَاعًا مِنْهُمْ لَهُ فِي الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ". وَقَالَ غَيْرُهُ: "إضْلَالُهُمْ بِالْكَذِبِ عَلَى التَّوْرَاةِ بِمَا لَيْسَ فِيهَا فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَهُ".

قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} ذَكَرَ الْبَعْضَ وَالْمُرَادُ الْجَمِيعُ, كَمَا يَذْكُرُ لَفْظَ الْعُمُومِ وَالْمُرَادُ الْخُصُوصُ, وَكَمَا قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} وَفِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِخْبَارُ عَنْ تَغْلِيظِ الْعِقَابِ فِي أَنَّ بَعْضَ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ بِهِ يُهْلِكُهُمْ. وَقِيلَ: "أَرَادَ تَعْجِيلَ الْبَعْضِ بِتَمَرُّدِهِمْ وَعُتُوِّهِمْ". وَقَالَ الْحَسَنُ: "أَرَادَ مَا عَجَّلَهُ مِنْ إجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ وَقَتْلِ بَنِي قُرَيْظَةَ".

قَوْله تَعَالَى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْيَهُودِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا وَجَبَ الْحُكْمُ عَلَى ضُعَفَائِهِمْ أَلْزَمُوهُمْ إيَّاهُ, وَإِذَا وَجَبَ عَلَى أَغْنِيَائِهِمْ لَمْ يَأْخُذُوهُمْ بِهِ; فَقِيلَ لَهُمْ: أَفَحُكْمُ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ تَبْغُونَ وَأَنْتُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ وَقِيلَ: إنَّهُ أُرِيدَ بِهِ كُلُّ مَنْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ إلَى حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ, وَهُوَ مَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ فَاعِلُهُ بِجَهَالَةٍ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ.

قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً} إخْبَارٌ عَنْ حُكْمِهِ بِالْعَدْلِ وَالْحَقِّ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ; وَجَائِزٌ أَنْ يُقَالَ إنَّ حُكْمًا أَحْسَنُ مَنْ حُكْمٍ كَمَا لَوْ خُيِّرَ بَيْنَ حُكْمَيْنِ نَصًّا وَعَرَفَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْآخَرِ كَانَ الْأَفْضَلُ أَحْسَنَ. وَكَذَلِكَ قَدْ يَحْكُمُهُ الْمُجْتَهِدُ بِمَا غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ, لِتَقْصِيرٍ مِنْهُ فِي النَّظَرِ أَوْ لِتَقْلِيدِهِ مَنْ قَصَّرَ فِيهِ.

قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ لَمَّا تَنَصَّحَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَأَشَارَ إلَيْهِمْ بِأَنَّهُ الذَّبْحُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا كَانَ بَعْدَ أُحُدٍ خَافَ قَوْمٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ, حَتَّى قَالَ رَجُلٌ: أَوْ إلَى الْيَهُودِ, وَقَالَ آخَرُ: أَوْ إلَى النَّصَارَى; فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ عَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ: "نَزَلَتْ فِي عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ, لَمَّا تَبَرَّأَ عُبَادَةُ مِنْ مُوَالَاةِ الْيَهُودِ وَتَمَسَّكَ بِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَقَالَ أَخَافُ الدَّوَائِرَ". وَالْوَلِيُّ هُوَ النَّاصِرُ; لِأَنَّهُ يَلِي صَاحِبَهُ بِالنُّصْرَةِ, وَوَلِيُّ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ يَتَوَلَّى التَّصَرُّفَ عَلَيْهِ بِالْحِيَاطَةِ, وَوَلِيُّ الْمَرْأَةِ عَصَبَتُهَا لِأَنَّهُمْ يَتَوَلَّوْنَ عَلَيْهَا عَقْدَ النِّكَاحِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>