للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُوَ مُرَاعَاتُهُ; وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ, فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْ الْحِنْثِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْفِعْلُ مَعْصِيَةً, وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ" فَأَمَرَهُ بِالْحِنْثِ فِيهَا; وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} [النور: ٢٢] الْآيَةَ; رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ حِينَ حَلَفَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهِ لِمَا كَانَ مِنْهُ مِنْ الْخَوْضِ فِي أَمْرِ عَائِشَةَ, وَقَدْ كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَكَانَ ذَا قَرَابَةٍ مِنْهُ, فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْحِنْثِ فِي يَمِينِهِ وَالرُّجُوعِ إلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ, فَفَعَلَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ. وَأُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] إلَى قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] بِالْكَفَّارَةِ وَالرُّجُوعِ عَمَّا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ. فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ مَعْصِيَةً, فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} نَهْيًا عَنْ الْحِنْثِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّ مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنْ الْحَلِفِ وَاسْتَشْهَدَ بِالْبَيْتِ; فَقَوْلُهُ مَرْذُولٌ سَاقِطٌ, لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِحِفْظِ الْيَمِينِ نَهْيًا عَنْ الْيَمِينِ, كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: "احْفَظْ مَالَكَ" بِمَعْنَى أَنْ لَا تَكْسِبَهُ; وَمَعْنَى الْبَيْتِ هُوَ عَلَى مَا نَقُولُهُ مُرَاعَاةُ الْحِنْثِ لِأَدَاءِ الْكَفَّارَةِ; لِأَنَّهُ قَالَ" قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ لِيَمِينِهِ" فَأَخْبَرَ بَدِيًّا بِقِلَّةِ أَيْمَانِهِ, ثُمَّ قَالَ: "حَافِظٌ لِيَمِينِهِ" وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مُرَاعٍ لَهَا لِيُؤَدِّيَ كَفَّارَتَهَا عِنْدَ الْحِنْثِ; وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا قَالَ الْمُخَالِفُ لَكَانَ تَكْرَارًا لِمَا قَدْ ذَكَرَ, فَصَحَّ أَنَّ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ بِمُرَاعَاتِهَا لِأَدَاءِ كَفَّارَتِهَا عِنْدَ الْحِنْثِ.

قَوْله تعالى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَعَائِشَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ: "كُلُّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ"; وَقَالَ عُمَرُ وَعَائِشَةُ: "أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ" وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا إذَا أَعْطَاهُمْ الطَّعَامَ تَمْلِيكًا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَطَاءٌ فِي آخَرِينَ: "مُدٌّ مِنْ بُرٍّ لِكُلِّ مِسْكِينٍ" وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ والشافعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>