للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ: "يُطْعِمُهُمْ أَكْلَةً وَاحِدَةً", وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: "لَا يُعْطِيهِمْ جُمْلَةً وَلَكِنْ يُعْطِي كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا".

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} فَاقْتَضَى ظَاهِرُهُ جَوَازَ الْإِطْعَامِ بِالْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ إعْطَاءٍ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً} [الإنسان: ٨] قَدْ عُقِلَ مِنْهُ إطْعَامُهُمْ بِالْإِبَاحَةِ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ؟ وَيُقَالُ: فُلَانٌ يُطْعِمُ الطَّعَامَ, وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ دُعَاؤُهُ إيَّاهُمْ إلَى أَكْلِ طَعَامِهِ, فَلَمَّا كَانَ الِاسْمُ يَتَنَاوَلُ الْإِبَاحَةَ وَجَبَ جَوَازُهُ, وَإِذَا جَازَ إطْعَامُهُمْ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ, فَالتَّمْلِيكُ أَحْرَى بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ الْإِبَاحَةِ; وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ التَّمْلِيكِ, وَإِنَّمَا قَالُوا: "يُغَدِّيهِمْ وَيُعَشِّيهِمْ" لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} وَهُوَ مَرَّتَانِ فِي الْيَوْمِ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ فِي الْعَادَةِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ وَالْأَقَلُّ وَاحِدَةٌ وَالْأَوْسَطُ مَرَّتَانِ. وَقَدْ رَوَى لَيْثٌ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذَا كَانَ خُبْزًا يَابِسًا فَهُوَ غَدَاؤُهُ وَعَشَاؤُهُ". وَإِنَّمَا قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا أَعْطَاهُمْ كَانَ مِنْ الْبُرِّ نِصْفَ صَاعٍ وَمِنْ الشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ صَاعًا, لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى: "أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ طَعَامٍ سِتَّةَ مَسَاكِينَ" وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: "أَطْعِمْ سِتَّةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ سِتَّةَ مَسَاكِينَ" فَجَعَلَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ, وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ تَقْدِيرِ الطَّعَامِ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ, فَثَبَتَ أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ مِثْلُهَا. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: "وَسْقًا١ مِنْ تَمْرٍ لِسِتِّينَ مِسْكِينًا" وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا. وَلَمَّا ثَبَتَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ كَانَتْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ مِثْلَهَا لِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ عَلَى تَسَاوِيهِمَا فِي مِقْدَارِ مَا يَجِبُ فِيهِمَا مِنْ الطَّعَامِ, وَإِذَا ثَبَتَ مِنْ التَّمْرِ صَاعٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْبُرِّ نِصْفَ صَاعٍ; لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَوْجَبَ فِيهَا صَاعًا مِنْ التَّمْرِ أَوْجَبَ مِنْ الْبُرِّ نِصْفَ صَاعٍ.

قَوْله تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ قُوتٌ وَكَانَ لِلْكَبِيرِ أَكْثَرُ مِمَّا لِلصَّغِيرِ وَلِلْحُرِّ أَكْثَرُ مِمَّا لِلْمَمْلُوكِ, فَنَزَلَتْ: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} لَيْسَ بِأَفْضَلِهِ وَلَا بِأَخَسِّهِ" وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلُهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَيَّنَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوْسَطُ فِي الْمِقْدَارِ, لَا بِأَنْ يَكُونَ مَأْدُومًا. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "أَوْسَطُهُ الْخُبْزُ وَالتَّمْرُ وَالْخُبْزُ وَالزَّيْتُ, وَخَيْرُ مَا نُطْعِمُ أَهْلَنَا الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ" وَعَنْ عُبَيْدَةَ: "الْخُبْزُ وَالسَّمْنُ". وَقَالَ أَبُو رَزِينٍ: "الْخُبْزُ والتمر والخل".


١ قوله: "وسقا" أي فأطعم وسقا كما في سنن أبي داود في باب الظهار. "لمصححه".

<<  <  ج: ص:  >  >>