للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْآخَرُ حَاظِرٌ فَخَبَرُ الْحَظْرِ أَوْلَى; وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَظْرَ وَارِدٌ لَا مَحَالَةَ بَعْدَ الْإِبَاحَةِ; لِأَنَّ الْأَصْلَ كَانَ الْإِبَاحَةُ وَالْحَظْرُ طَارِئٌ عَلَيْهَا وَلَمْ يَثْبُتُ وُرُودُ الْإِبَاحَةِ عَلَى الْحَظْرِ فَحُكْمُ الْحَظْرِ ثابت لا محالة.

مطلب: في الكلام على هوام الأرض

وَاخْتُلِفَ فِي هَوَامِّ الْأَرْضِ، فَكَرِهَ أَصْحَابُنَا أَكْلَ هَوَامِّ الْأَرْضِ الْيَرْبُوعِ وَالْقُنْفُذِ وَالْفَأْرِ وَالْعَقَارِبِ وَجَمِيعِ هَوَامِّ الْأَرْضِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْحَيَّةِ إذَا ذُكِّيَتْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ مِنْهُ الذَّكَاةَ وَقَالَ اللَّيْثُ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْقُنْفُذِ وَفِرَاخِ النَّحْلِ وَدُودِ الْجُبْنِ وَالتَّمْرِ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: "لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الضِّفْدَعِ"، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ خُشَاشِ الْأَرْضِ وَعَقَارِبِهَا وَدُودِهَا; لِأَنَّهُ قَالَ: مَوْتُهُ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: "كُلُّ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَسْتَقْذِرُهُ فَهُوَ مِنْ الْخَبَائِثِ، كَالذِّئْبِ وَالْأَسَدِ وَالْغُرَابِ وَالْحَيَّةِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ لِأَنَّهَا تَقْصِدُ بِالْأَذَى فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ مِنْ الْخَبَائِثِ، وَكَانَتْ تَأْكُلُ الضَّبُعَ وَالثَّعْلَبَ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْدُوَانِ عَلَى النَّاسِ بِأَنْيَابِهِمَا فَهُمَا حَلَالُ".

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [لأعراف:١٥٧] قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ أَبُو ثَوْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عِيسَى بْنِ نُمَيْلَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْت عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَسُئِلَ عَنْ أَكْلِ الْقُنْفُذِ، فَتَلَا: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الْآيَةُ، فَقَالَ شَيْخٌ عِنْدَهُ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "خَبِيثَةٌ مِنْ الْخَبَائِثِ" فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إنْ كَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا فَهُوَ كَمَا قَالَ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبِيثَةً مِنْ الْخَبَائِثِ فَشَمِلَهُ حُكْمُ التَّحْرِيمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: ١٥٧] وَالْقُنْفُذُ مِنْ حَشَرَاتِ الْأَرْضِ، فَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ حَشَرَاتِهَا فَهُوَ مُحَرَّمٌ قِيَاسًا عَلَى الْقُنْفُذِ. وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عن سعيد بن خالد عن سعيد بن الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: ذُكِرَ طَبِيبُ الدَّوَاءِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكر الضفدع يكون في الدواء، فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ لِأَنَّهُ نَهَاهُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَيَجْعَلَهُ فِي الدَّوَاءِ، وَلَوْ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَمَا كَانَ مَنْهِيًّا عَنْ قَتْلِهِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَارٌ مُسْتَفِيضَةٌ رَوَاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَعَائِشَةُ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ قَالَ: "يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَامِ الْحِدَأَةَ وَالْغُرَابَ وَالْفَأْرَةَ وَالْعَقْرَبَ" وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: "وَالْحَيَّةُ"، فَفِي أَمْرِهِ بِقَتْلِهِنَّ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِهِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>