للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ جَاءَ بِالتَّسْكِينِ فِي الْمَدْحِ أَيْضًا، قَالَ حَسَّانُ:

لَنَا الْقَدَمُ الْعُلْيَا إلَيْكَ وَخَلْفُنَا ... لِأَوَّلِنَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَابِعُ

قَوْله تَعَالَى: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى} قِيلَ إنَّ الْعَرَضَ مَا يَقِلُّ لُبْثُهُ، يُقَالُ عَرَضَ هَذَا الْأَمْرُ فَهُوَ عَارِضٌ خِلَافُ اللَّازِمِ، قَالَ تَعَالَى: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف: ٢٤] يَعْنِي السَّحَابَ لِقِلَّةِ لُبْثِهِ وَرُوِيَ فِي قَوْلِهِ {عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى} أَنَّ مَعْنَاهُ الرِّشْوَةُ عَلَى الْحُكْمِ.

قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} . قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ "أَهْلُ إصْرَارٍ عَلَى الذُّنُوبِ". وَقَالَ الْحَسَنُ: "مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُشْبِعُهُمْ شَيْءٌ".

قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} قِيلَ إنَّهُ أَخْرَجَ الذُّرِّيَّةَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَأَشْهَدْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمَا جَعَلَ فِي عُقُولِهِمْ وَفِطَرِهِمْ مِنْ الْمُنَازَعَةِ لِكَيْ تَقْتَضِيَ الْإِقْرَارَ بِالرُّبُوبِيَّةِ، حَتَّى صَارُوا بِمَنْزِلَةِ مَنْ قِيلَ لَهُمْ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. وَقِيلَ: إنَّهُ قَالَ لَهُمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ عَلَى لِسَانِ بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ.

قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ} هَذِهِ لَامُ الْعَاقِبَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} [القصص:٨] وَلَمْ يَكُنْ غَرَضُهُمْ ذَلِكَ فِي الْتِقَاطِهِ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ أُطْلِقَ ذَلِكَ فِيهِمْ; وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ

وَقَالَ أَيْضًا:

وَأُمُّ سِمَاكٍ فَلَا تَجْزَعِي ... فَلِلْمَوْتِ مَا غَذَتْ الْوَالِدَةُ

قَوْله تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} فِيهِ حَثٌّ عَلَى النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالتَّفَكُّرِ فِي خَلْقِ اللَّهِ وَصُنْعِهِ وَتَدْبِيرِهِ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَعَلَى حِكْمَتِهِ وُجُودِهِ وَعَدْلِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ فِي جَمِيعِ مَا خَلَقَهُ دَلِيلًا عَلَيْهِ وَدَاعٍ إلَيْهِ، وَحَذَّرَهُمْ التَّفْرِيطَ بِتَرْكِ النَّظَرِ إلَى وَقْتِ حُلُولِ الْمَوْتِ وَفَوَاتَ مَا كَانَ يُمْكِنُهُ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْحِيدِهِ، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} .

قَوْله تَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} الآية. قوله: {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: "قِيَامُهَا". وَأَيَّانَ بِمَعْنَى مَتَى; وَهُوَ سُؤَالٌ عَنْ الزَّمَانِ عَلَى جِهَةِ الظَّرْفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>