للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَاتِحَةِ، فَلَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فَرْضًا لَكَانَ مِنْ سُنَنِهَا قِرَاءَةُ السُّورَةِ مَعَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ; لِأَنَّ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي الْقِرَاءَةُ فِيهَا مَفْرُوضَةٌ فَإِنَّ مِنْ سُنَنِهَا قِرَاءَةَ السُّورَةِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَجْهَرُ بِهَا فِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي يُجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَجَهَرَ بِهَا كَالْإِمَامِ; وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ; إذْ كَانَتْ صَلَاةُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حُكْمُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَوْ كَانَتْ فَرْضًا عَلَيْهِ كَهِيَ عَلَى الْإِمَامِ

قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: الذِّكْرُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْفِكْرُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَدَلَائِلِ قُدْرَتِهِ وَآيَاتِهِ، وَهَذَا أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ; إذْ بِهِ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ عَلَى سَائِرِ الْأَذْكَارِ سِوَاهُ، وَبِهِ يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ. وَالذِّكْرُ الْآخَرُ: الْقَوْلُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الذِّكْرُ دُعَاءً وَقَدْ يَكُونُ ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَكُونُ قِرَاءَةً لِلْقُرْآنِ وَيَكُونُ دُعَاءً لِلنَّاسِ إلَى اللَّهِ; وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الذِّكْرَيْنِ جَمِيعًا مِنْ الْفِكْرِ وَالْقَوْلِ فَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} هُوَ الْفِكْرُ فِي دَلَائِلِ اللَّهِ وَآيَاتِهِ.

وقَوْله تعالى: {وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} فِيهِ نَصَّ عَلَى الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ، وَهَذَا الذِّكْرُ يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ الدُّعَاءَ، فَيَكُونَ الْأَفْضَلُ فِي الدُّعَاءِ الْإِخْفَاءَ، عَلَى نَحْوِ قَوْله تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} وَإِنْ أَرَادَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ كَانَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء:١١٠] وَقِيلَ: إنَّمَا كَانَ إخْفَاءُ الدُّعَاءِ أَفْضَلَ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ وَأَقْرَبُ مِنْ الْإِخْلَاصِ وَأَجْدَرُ بِالِاسْتِجَابَةِ; إذْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتُهُ. وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ خِطَابٌ لِلْمُسْتَمِعِ لِلْقُرْآنِ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} . وَقِيلَ: إنَّهُ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَعْنَى عَامٌّ لِسَائِرِ الْمُكَلَّفِينَ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَعَلَا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق:١] . وَقَالَ قَتَادَةُ: "الْآصَالُ الْعَشِيَّاتُ". آخِرُ سُورَةِ الأعراف

<<  <  ج: ص:  >  >>