لَا تَثْبُت فِيهِ الْأَقْدَامُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمَطَرِ مَا لَبَّدَ الرَّمْلَ وَثَبَّتَ عَلَيْهِ الْأَقْدَامَ; وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ.
قَوْله تَعَالَى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ} أي أنصركم {فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: إلْقَاؤُهُمْ إلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْخَاطِرِ وَالتَّنْبِيهِ أَنَّ اللَّهَ سَيَنْصُرُهُمْ عَلَى الْكَافِرِينَ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِثَبَاتِهِمْ وَتَحَزُّبِهِمْ عَلَى الْكُفَّارِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّثْبِيتُ إخْبَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ سَيَنْصُرُهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَيُخْبِرُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَدْعُوهُمْ ذَلِكَ إلَى الثَّبَاتِ
ثُمَّ قَالَ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ وَرَمَى بِهِ وُجُوهَهُمْ فَانْهَزَمُوا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا دَخَلَ مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ فِي عَيْنَيْهِ. وَعَنَى بِذَلك أَنَّ اللَّهَ بَلَغَ بِذَلك التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وَعُيُونَهُمْ; إذْ لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِ أَحَدٍ مِنْ الْمَخْلُوقِينَ أَنْ يُبْلِغَ ذَلِكَ التُّرَابُ عُيُونَهُمْ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَمِنْهَا وُجُودُ مُخْبِرَاتِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَّفَقَ مِثْلُهَا تَخَرُّصًا وَتَخْمِينًا. وَمِنْهَا مَا أَنْزَلَ مِنْ الْمَطَرِ الَّذِي لَبَّدَ الرَّمْلَ حَتَّى ثَبَتَتْ أَقْدَامُهُمْ عَلَيْهِ وَصَارُوا وَبَالًا عَلَى عَدُوِّهِمْ; لِأَنَّ فِي الْخَبَرِ أَنَّ أَرْضَهُمْ صَارَتْ وَحْلًا حَتَّى مَنَعَهُمْ مِنْ الْمَسِيرِ. وَمِنْهَا الطُّمَأْنِينَةُ الَّتِي صَارَتْ فِي قُلُوبِهِمْ بَعْدَ كَرَاهَتِهِمْ لِلِقَاءِ الْجَيْشِ. وَمِنْهَا النُّعَاسُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِمْ فِي الْحَالِ الَّتِي يَطِيرُ فِيهَا النُّعَاسُ. وَمِنْهَا رَمْيُهُ لِلتُّرَابِ وَهَزِيمَةُ الْكُفَّارِ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute