للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّاسِ} [المائدة:٦٧] وَكَانَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ قَلَّتْ أَعْدَاؤُهُمْ أَوْ كَثُرُوا. وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِئَةَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ، وَمَنْ كَانَ بِمُنْحَازٍ عَنْ الْقِتَالِ فَإِنَّمَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ الِانْحِيَازُ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ انْحِيَازُهُ إلَى فِئَةٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِئَتَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ غَيْرَهُ. {قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنْت فِي جَيْشٍ فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً وَاحِدَةً، وَرَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ فَقُلْنَا: نَحْنُ الْفَرَّارُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "أَنَا فِئَتُكُمْ" فَمَنْ كَانَ بِالْبُعْدِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا انْحَازَ عَنْ الْكُفَّارِ فَإِنَّمَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ الِانْحِيَازُ إلَى فِئَةٍ وَهُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا كَانَ مَعَهُمْ فِي الْقِتَالِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فِئَةٌ غَيْرَهُ يَنْحَازُونَ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لَهُمْ الْفِرَارُ.

وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} قَالَ: {شَدَدْت عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ} ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} [آل عمران:١٥٥] وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ فَرُّوا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَرُّوا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَاقَبَهُمْ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:٢٥] فَهَذَا كَانَ حُكْمُهُمْ; إذْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّ عَدَدُ الْعَدُوِّ أَوْ كَثُرَ; إذْ لَمْ يَحُدَّ اللَّهُ فِيهِ شَيْئًا، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال:٦٥] هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاضِرًا مَعَهُمْ، فَكَانَ عَلَى الْعِشْرِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا الْمِائَتَيْنِ وَلَا يَهْرُبُوا عَنْهُمْ، فَإِذَا كَانَ عَدَدُ الْعَدُوِّ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَبَاحَ لَهُمْ التَّحَيُّزَ إلَى فِئَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ نُصْرَةٌ لِمُعَاوَدَةِ الْقِتَالِ. ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [الأنفال:٦٦] فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَتَبَ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا يَفِرَّ وَاحِدٌ مِنْ عَشَرَةٍ، ثُمَّ قَالَ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} [الأنفال:٦٦] الْآيَةَ، فَكَتَبَ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا يَفِرَّ مِائَةٌ مِنْ مِائَتَيْنِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنْ فَرَّ رَجُلٌ مِنْ رَجُلَيْنِ فَقَدْ فَرَّ وَإِنَّ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يَفِرَّ قَالَ الشَّيْخُ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ فَقَدْ فَرَّ الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ، وَاَلَّذِي فِي الْآيَةِ إيجَابُ فَرْضِ الْقِتَالِ عَلَى الْوَاحِدِ لِرَجُلَيْنِ مِنْ الْكُفَّارِ، فَإِنْ زَادَ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى اثْنَيْنِ فَجَائِزٌ حِينَئِذٍ لِلْوَاحِدِ التَّحَيُّزُ إلَى فِئَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا نُصْرَةٌ، فَأَمَّا إنَّ أَرَادَ الْفِرَارَ لِيَلْحَقَ بِقَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا نُصْرَةَ مَعَهُمْ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "أَنَا فِئَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ" وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ أَبَا عُبَيْدِ بْنِ مَسْعُودٍ اسْتَقْتَلَ يَوْمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>