للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشَّافِعِيُّ: "السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْأَمِيرُ" قَالَ الشَّيْخُ أَيَّدَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} يَقْتَضِي وُجُوبَ الْغَنِيمَةِ لِجَمَاعَةِ الْغَانِمِينَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ الِاخْتِصَاصُ بِشَيْءٍ مِنْهَا دُونَ غَيْرِهِ. فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ السَّلَبَ غَنِيمَةٌ قِيلَ لَهُ: {غَنِمْتُمْ} هِيَ الَّتِي حَازُوهَا بِاجْتِمَاعِهِمْ وَتَوَازُرِهِمْ عَلَى الْقِتَالِ وَأَخْذِ الْغَنِيمَةِ، فَلَمَّا كَانَ قَتْلُهُ لِهَذَا الْقَتِيلِ وَأَخْذُهُ سَلَبَهُ بِتَضَافُرِ الْجَمَاعَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ غَنِيمَةً، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ سَلَبَهُ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ لَكَانَ غَنِيمَةً; إذْ لَمْ يَصِلْ إلَى أَخْذِهِ إلَّا بِقُوَّتِهِمْ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ وَكَانَ قَائِمًا فِي الصَّفِّ رِدْءًا لَهُمْ مُسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةِ وَيَصِيرُ غَانِمًا لِأَنَّ بِظَهْرِهِ وَمُعَاضَدَتِهِ حَصَلَتْ وَأُخِذَتْ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ السَّلَبُ غَنِيمَةً فَيَكُونَ كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً} وَالسَّلَبُ مِمَّا غَنِمَهُ الْجَمَاعَةُ فَهُوَ لَهُمْ

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا حَدَّثَنَا أحمد بن خالد الجزوري: حدثنا محمد بن يَحْيَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ يَسَارٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: نَزَلْنَا دَابِقَ وَعَلَيْنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَبَلَغَ حَبِيبَ بْنَ مُسْلِمٍ أَنَّ صَاحِبَ قُبْرُصَ خَرَجَ يُرِيدُ طَرِيقَ أَذْرَبِيجَانَ مَعَهُ زَبَرْجَدُ وَيَاقُوتٌ وَلُؤْلُؤٌ وَدِيبَاجٌ، فَخَرَجَ فِي جَبَلٍ حَتَّى قَتَلَهُ فِي الدَّرْبِ وَجَاءَ بِمَا كَانَ مَعَهُ إلَى عُبَيْدَةَ، فَأَرَادَ أَنْ يُخَمِّسَهُ فَقَالَ حَبِيبٌ: يَا أَبَا عُبَيْدَةَ لَا تَحْرِمْنِي رِزْقًا رَزَقَنِيهِ اللَّهُ فَإِنَّ رَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهِ جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ، فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: مَهْلًا يَا حَبِيبُ إنِّي سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ" فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ" يَقْتَضِي حَظْرَ مَا لَمْ تَطِبْ نَفْسُ إمَامِهِ، فَمَنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُ إمَامِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ السَّلَبُ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَخْبَرَ مُعَاذٌ أَنَّ ذَلِكَ فِي شَأْنِ السَّلَبِ.

فَإِنْ قِيلِ: قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ وَطَلْحَةُ وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ". وَرَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَعَلَ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ" وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَسْتَحِقَّ الْقَاتِلُ السَّلَبَ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ فَسَّرَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ: "إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ" أَنَّ نَفْسَهُ قَدْ طَابَتْ لَلْقَاتِل بِذَلِكَ وَهُوَ إمَامُ الْأَئِمَّةِ. قِيلَ لَهُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ لِلْمَرْءِ إلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إمَامِهِ" الْمَفْهُومُ مِنْهُ أَمِيرُهُ الَّذِي يَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ، وَكَذَلِكَ عَقَلَ مُعَاذٌ وَهُوَ رَاوِي ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْسَهُ لَقَالَ إنَّمَا لِلْمَرْءِ مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسِي، فَهَذَا الَّذِي ذكره هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>