للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِيرَاثِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ، وَاقْتَضَى أَيْضًا إيجَابَ نُصْرَةِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إذَا اسْتَنْصَرَ الْمُهَاجِرَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ عَهْدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} وَقَدْ رُوِيَ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} مَا قَدْ بَيَّنَّا ذِكْرُهُ فِي نَفْيِ الْمِيرَاثِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ فِي آخَرِينَ. وَقِيلَ: إنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ إيجَابِ النُّصْرَةِ فَلَمْ تَكُنْ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُهَاجِرِ نُصْرَةُ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ إلَّا أَنْ يَسْتَنْصِرَ فَتَكُونَ عَلَيْهِ نُصْرَتُهُ إلَّا عَلَى مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَهْدٌ فَلَا يَنْقُضْ عَهْدَهُ، وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ نَفْيُ الْوِلَايَةِ مُقْتَضِيًا لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا مِنْ نَفْيِ التَّوَارُثِ وَالنُّصْرَةِ ثُمَّ نُسِخَ نَفْيُ الْمِيرَاثِ بِإِيجَابِ التَّوَارُثِ بِالْأَرْحَامِ مُهَاجِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُهَاجِرٍ، وَإِسْقَاطِهِ بِالْهِجْرَةِ فَحَسْبُ، وَنُسِخَ نَفْيُ إيجَابِ النُّصْرَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة:٧١] .

قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيِّ يَعْنِي فِي الْمِيرَاثِ، وَقَالَ قَتَادَةُ فِي النُّصْرَةِ وَالْمُعَاوَنَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ إِسْحَاقَ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمَّا كَانَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا} إلى قوله: {أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} مُوجِبًا لِإِثْبَاتِ التَّوَارُثِ بِالْهِجْرَةِ، وَكَانَ قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} نَافِيًا لِلْمِيرَاثِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} مُوجِبًا لِإِثْبَاتِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمْ; لِأَنَّ الْوَلَايَةَ قَدْ صَارَتْ عِبَارَةً عَنْ إثْبَاتِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمْ فَاقْتَضَى عُمُومُهُ إثْبَاتَ التَّوَارُثِ بَيْنَ سَائِرِ الْكُفَّارِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَعَ اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ; لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُمْ وَيَقَعُ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ تُفَرِّقْ الْآيَةُ بَيْنَ أَهْلِ الْمِلَلِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا كُفَّارًا، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى إثْبَاتِ وِلَايَةِ الْكُفَّارِ عَلَى أَوْلَادِهِمْ الصِّغَارِ لِاقْتِضَاءِ اللَّفْظِ لَهُ فِي جَوَازِ النِّكَاحِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فِي حَالِ الصِّغَرِ وَالْجُنُونِ.

وقَوْله تَعَالَى: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: إنْ لَا تَفْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مِنْ إيجَابِ الْمُوَالَاةِ وَالتَّنَاصُرِ وَالتَّوَارُثِ بِالْأُخُوَّةِ وَالْهِجْرَةِ وَمِنْ قَطْعِهَا بِتَرْكِ الْهِجْرَةِ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ، وَهَذَا مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَوَلَّ الْمُؤْمِنَ الْفَاضِلَ عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْفَضْلِ بِمَا يَدْعُو إلَى مِثْلِ حَالِهِ، وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْفَاجِرِ وَالضَّالِّ بِمَا يَصْرِفُهُ عَنْ ضَلَالِهِ وَفُجُورِهِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى الْفَسَادِ وَالْفِتْنَةِ.

قَوْله تَعَالَى: {وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} نَسَخَ بِهِ إيجَابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>