للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْحَاجَةِ لَا لِلْحَجِّ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُرَّ الذِّمِّيَّ لَهُ دُخُولُهُ لِحَاجَةٍ، إذْ لَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا لَا يَدْخُلَانِهِ فِي الْأَغْلَبِ الْأَعَمِّ لِلْحَجِّ. وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ الجرجاني قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} : إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوْ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَوَقَفَهُ أَبُو الزُّبَيْرِ عَلَى جَابِرٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَا صَحِيحَيْنِ فَيَكُونَ جَابِرٌ قَدْ رَفَعَهُ تَارَةً، وَأَفْتَى بِهَا أُخْرَى. وَرَوَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ مُشْرِكٌ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} ; قَالَ عَطَاءٌ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ الْحَرَمُ كُلُّهُ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:. وَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ مِثْلَ ذَلِكَ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالْحَرَمُ كُلُّهُ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْمَسْجِدِ، إذْ كَانَتْ حُرْمَتُهُ مُتَعَلِّقَةً بِالْمَسْجِدِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج:٢٥] وَالْحَرَمُ كُلُّهُ مُرَادٌ بِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٣٣] قَدْ أُرِيدَ بِهِ الْحَرَمُ كُلُّهُ لِأَنَّهُ فِي أَيِّ الْحَرَمِ نَحَرَ الْبُدْنَ أَجْزَأَهُ، فَجَائِزٌ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} الْحَرَمَ كُلَّهُ لِلْحَجِّ، إذْ كَانَ أَكْثَرُ أَفْعَالِ الْمَنَاسِكِ مُتَعَلِّقًا بِالْحَرَمِ، وَالْحَرَمُ كُلُّهُ فِي حُكْمِ الْمَسْجِدِ لِمَا وَصَفْنَا، فَعَبَّرَ عَنْ الْحَرَمِ بِالْمَسْجِدِ، وَعَبَّرَ عَنْ الْحَجِّ بِالْحَرَمِ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ هَهُنَا الْحَرَمُ قَوْله تَعَالَى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَهِيَ عَلَى شَفِيرِ الْحَرَمِ; وَذَكَرَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَنَّ بَعْضَهَا مِنْ الْحِلِّ وَبَعْضَهَا مِنْ الْحَرَمِ. فَأَطْلَقَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا أَنَّهَا عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِنَّمَا هِيَ عِنْدَ الْحَرَمِ، وَإِطْلَاقُهُ تَعَالَى اسْمَ النَّجَسِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَقْتَضِي اجْتِنَابَهُمْ، وَتَرْكَ مُخَالَطَتِهِمْ، إذْ كُنَّا مَأْمُورِينَ بِاجْتِنَابِ الأنجاس. وقوله تعالى: {بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} فَإِنَّ قَتَادَةَ ذَكَرَ أَنَّ الْمُرَادَ الْعَامُ الَّذِي حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَتَلَا عَلِيٌّ سُورَةَ بَرَاءَةٌ، وَهُوَ لِتِسْعٍ مَضَيْنَ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ بَعْدَهُ حَجَّةُ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ.

قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} فَإِنَّ الْعَيْلَةَ الْفَقْرُ، يُقَالُ: عَالَ يَعِيلُ إذَا افْتَقَرَ; قَالَ الشَّاعِرُ:

وَمَا يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ ... وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: "كَانُوا خَافُوا انْقِطَاعَ الْمَتَاجِرِ بِمَنْعِ الْمُشْرِكِينَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>