هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَرَاجَ الْأَرْضِ لَيْسَ بِصَغَارٍ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَكْرَهْ لَهُمْ مِلْكَ أَرْضِ الْخَرَاجِ الَّتِي عَلَيْهَا قَفِيزٌ وَدِرْهَمٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَكْرُوهَا لَذَكَرَهُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ مَنْعِهِمْ لِحَقِّ اللَّهِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِمْ بِالْإِسْلَامِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: "عُدْتُمْ كَمَا بَدَأْتُمْ" يَعْنِي فِي مَنْعِ حَقِّ اللَّهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ لِلَّهِ تَعَالَى مِثْلُ الزَّكَوَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ لَا عَلَى وَجْهِ الصَّغَارِ وَالذِّلَّةِ. وَأَيْضًا لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْإِسْلَامَ يُسْقِطُ جِزْيَةَ الرُّءُوسِ، وَلَا يُسْقِطُ عَلَى الْأَرْضِ، فَلَوْ كَانَ صَغَارًا لَأَسْقَطَهُ الْإِسْلَامُ.
فَإِنْ قِيلَ: لَمَّا كَانَ خَرَاجُ الْأَرَضِينَ فَيْئًا، وَكَذَلِكَ جِزْيَةُ الرُّءُوسِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَغَارٌ قِيلَ لَهُ: لَيْسَ كَذَلِكَ; لِأَنَّ مِنْ الْفَيْءِ مَا يُصْرَفُ إلَى الْغَانِمِينَ، وَمِنْهُ مَا يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَهُوَ الْخُمُسُ، وَهَذَا كَلَامٌ فِي الْوَجْهِ الَّذِي يُصْرَفُ فِيهِ، وَلَيْسَ يُوجِبُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ صَغَارًا; لِأَنَّ الصَّغَارَ فِي الْفَيْءِ هُوَ مَا يُبْتَدَأُ بِهِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فَأَمَّا مَا قَدْ وَجَبَ فِي الْأَرْضِ مِنْ الْحَقِّ ثُمَّ مَلَكَهَا مُسْلِمٌ فَإِنَّ مِلْكَ الْمُسْلِمِ لَهُ لَا يُزِيلُهُ إذْ كَانَ وُجُوبُهُ فِيهَا مُتَقَدِّمًا لِمِلْكِهِ، وَهُوَ حَقٌّ لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ تَكُنْ الْجِزْيَةُ صَغَارًا مِنْ حَيْثُ كَانَتْ فَيْئًا، وَإِنَّمَا كَانَتْ صَغَارًا مِنْ حَيْثُ كَانَتْ عُقُوبَةً، وَلَيْسَ خَرَاجُ الْأَرَضِينَ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَرْضَ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ يَجِبُ فِيهِمَا الْخَرَاجُ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُمَا الْجِزْيَةُ؟ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ عقوبة، وخراج الأرضين ليس كذلك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute