عَلَى قَاذِفِ الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ جَمِيعًا الْجَلْدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ عَنْ الْأَزْوَاجِ وَأُقِيمَ اللِّعَانُ مَقَامَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ حِينَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ: "ائْتِنِي بِأَرْبَعَةٍ يَشْهَدُونَ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ" وَقَوْلُ الرَّجُلِ الَّذِي قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَتَكَلَّمَ جَلَدْتُمُوهُ وَإِنْ قَتَلَ قَتَلْتُمُوهُ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَنْ غَيْظٍ فَأُنْزِلَتْ آيَةُ اللِّعَانِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ: "قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك وَفِي صَاحِبَتِك قُرْآنًا فَأْتِنِي بِهَا"، فَلَمَّا كَانَ اللِّعَانُ فِي الْأَزْوَاجِ قَائِمًا مَقَامَ الْحَدِّ فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ لَمْ يَجِبْ اللِّعَانُ عَلَى قَاذِفِ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَوْ قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ. وَأَيْضًا فَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللِّعَانَ حَدًّا; حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرِ الْخُرَاسَانِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ دَرَّاجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا لَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ: "إنْ جَاءَتْ بِهِ أَرَحَّ الْقَدَمَيْنِ يُشْبِهُ فُلَانًا فَهُوَ مِنْهُ" قَالَ: فَجَاءَتْ بِهِ يُشْبِهُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ الْحَدِّ لَرَجَمْتهَا"، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللِّعَانَ حَدٌّ، وَلَمَّا كَانَ حَدًّا لَمْ يَجُزْ إيجَابُهُ عَلَى الزَّوْجِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةً; إذْ كَانَ حَدًّا مِثْلَ حَدِّ الْجَلْدِ، وَلَمَّا كَانَ حَدًّا لَمْ يَجِبْ عَلَى قَاذِفِ الْمَمْلُوكِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ حَدًّا لَمَا وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ الْجَلْدُ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ; إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَجْتَمِعَ حَدَّانِ بِقَذْفٍ وَاحِدٍ، وَفِي إيجَابِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهِ عِنْدَ إكْذَابِهِ نَفْسَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ لَيْسَ بِحَدٍّ. قِيلَ لَهُ: قَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدًّا، وَغَيْرُ جَائِزٍ اسْتِعْمَالُ النَّظَرِ فِي دَفْعِ الْأَثَرِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ الْحَدَّيْنِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ جَلْدًا فَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا جَلْدًا وَالْآخَرُ لِعَانًا فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ فِي الْأُصُولِ خِلَافَهُ; وَأَيْضًا فَإِنَّ اللِّعَانَ إنَّمَا هُوَ حَدٌّ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ، فَمَتَى أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَجُلِدَ الْحَدَّ خَرَجَ اللِّعَانُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَدًّا; إذْ كَانَ مَا يَصِيرُ حَدًّا مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ تَارَةً حَدًّا وَتَارَةً لَيْسَ بِحَدٍّ، فَكَذَلِكَ كُلُّ مَا تَعَلَّقَ بِالشَّيْءِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ تَارَةً عَلَى وَصْفٍ وَأُخْرَى عَلَى وَصْفٍ آخَرَ. وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ مِنْ شَرْطِ اللِّعَانِ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَانِ جَمِيعًا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ; فَلَمَّا سَمَّى اللَّهُ لِعَانَهُمَا شَهَادَةً ثُمَّ قَالَ فِي الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} وَجَبَ بِمَضْمُونِ الْآيَتَيْنِ انْتِفَاءُ اللِّعَانِ عَنْ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمَحْدُودِ ثَبَتَ فِي سَائِرِ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ مِثْلُ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ وَنَحْوِهِمَا، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ أن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute