للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ سَهْلٌ: حَضَرْت هَذَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا} . فَأَخْبَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْفَذَ طَلَاقَ الْعَجْلَانِيِّ بَعْدَ اللِّعَانِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ: "فَمَضَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا" وَلَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ وَاقِعَةً بِاللِّعَانِ لَاسْتَحَالَ التَّفْرِيقُ بَعْدَهَا. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَوَهْبُ بْنُ بَيَانٍ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: مُسَدَّدٌ قَالَ: شَهِدْت الْمُتَلَاعِنَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا حِين تَلَاعَنَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا فَأَخْبَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ اللِّعَانِ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْت لِابْنِ عُمَرَ رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ؟ قَالَ: فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ فَقَالَ: "وَاَللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ " يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَأَبَيَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. فَنَصَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ اللِّعَانِ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ. وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ كَانَ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَيْضًا لَوْ كَانَتْ الْفُرْقَةُ وَاقِعَةً بِلِعَانِ الزَّوْجِ لَبَيَّنَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا وَقَعَ بِهَا مِنْ التَّحْرِيمِ وَتَعَلَّقَ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ، فَلَمَّا لَمْ يُخْبِرْ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِلِعَانِ الزَّوْجِ ثَبَتَ أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ. وَأَيْضًا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ خِلَافُ الْآيَةِ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} ثم قال: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} ثم قال: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} وَهُوَ يَعْنِي الزَّوْجَةَ، فَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ لَلَاعَنَتْ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ، وَذَلِكَ خِلَافُ ظَاهِرِ الْآيَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَوْجَبَ اللِّعَانَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. وَأَيْضًا لَا خِلَافَ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ وَلَدٍ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ أَوْ قَذَفَهَا ثُمَّ أَبَانَهَا أَنَّهُ لَا يُلَاعِنُ، فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُلَاعِنَ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُلَاعِنَ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ; لِأَنَّ اللِّعَانَ فِي هَذِهِ الْحَالِ إنَّمَا هُوَ لِقَطْعِ الْفِرَاشِ وَلَا فَرْشَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، فَامْتَنَعَ لِعَانُهَا وَهِيَ غَيْرُ زَوْجَةٍ.

فَإِنْ قِيلَ: فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ تَفْرِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ إنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِاللِّعَانِ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ بِقَوْلِهِ: "لَا سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا" قِيلَ لَهُ: هَذَا صَرْفٌ لِلْكَلَامِ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَمَعْنَاهُ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: "لَا تَحِلُّ لَك لَا سَبِيلَ لَك عليها" إن

<<  <  ج: ص:  >  >>