للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلَاثٌ وَقَالَ فِي أَمْرُكِ بِيَدِك: "إنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ".

وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ: "إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ، وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى" وَقَالُوا فِي أَمْرُكِ بِيَدِك مِثْلُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا فَيَكُونُ ثَلَاثًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي الْخِيَارِ: "إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ يَمْلِكُ بِهَا الرَّجْعَةَ". وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْخِيَارِ: "إنَّهُ ثَلَاثٌ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَقَالَ فِي أَمْرُكِ بِيَدِك: "إذَا قَالَتْ: أَرَدْت وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْخِيَارِ أَنَّهُ أَرَادَ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ اخْتَارِي تَطْلِيقَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ". وَقَالَ اللَّيْثُ فِي الْخِيَارِ: "إنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ وَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ بَائِنَةٌ". وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتَارِي وَأَمْرُك بِيَدِك: "لَيْسَ بِطَلَاقٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الزَّوْجُ، وَلَوْ أَرَادَ طَلَاقَهَا فَقَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي فَإِنْ أَرَادَتْ طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ وَإِنْ لَمْ تُرِدْهُ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ".

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: التَّخْيِيرُ فِي نَفْسِهِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ لَا صَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ; وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهُ لَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ أَرَادَهُنَّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ نِسَاءَهُ فَاخْتَرْنَهُ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا وَلِأَنَّ الْخِيَارَ لَا يَخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ دُونَ غَيْرِهِ، فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَكُمْ كَقَوْلِهِ: "اعْتَدِّي" أَنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا إذَا نَوَى; لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ مُوجِبِ الطَّلَاقِ، فَالطَّلَاقُ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ; وَإِنَّمَا جَعَلُوا الْخِيَارَ طَلَاقًا إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا بِالِاتِّفَاقِ وَبِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ تَخْيِيرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ لَمَّا كَانَ بَيْنَ الْفِرَاقِ وَالْبَقَاءِ عَلَى النِّكَاحِ أَنَّهُنَّ لَوْ اخْتَرْنَ أَنْفُسَهُنَّ لَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّخَيُّرِ مَعْنًى، وَتَشْبِيهًا لَهُ أَيْضًا بِسَائِرِ الْخِيَارَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ فِي النِّكَاحِ كَخِيَارِ امْرَأَةٍ الْعِنِّينَ وَالْمَجْبُوبَ فَيَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إذَا اخْتَارَتْ الْفُرْقَةَ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَجْعَلُوهُ ثَلَاثًا; لِأَنَّ الْخِيَارَاتِ الْحَادِثَةَ فِي الْأُصُولِ لا تقع بها ثلاث.

<<  <  ج: ص:  >  >>