للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِضَافَةِ لَا فِي حَالِ الْقَوْلِ، وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَالَ لَهَا: "أَنْتِ طَالِقٌ" فَسَقَطَ حُكْمُ لَفْظِهِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ حَالُ الْعَقْدِ مَعَ وُجُودِ النِّكَاحِ فِيهَا، صَحَّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْإِضَافَةِ دُونَ حَالِ الْعَقْدِ، فَإِنَّ الْقَائِلَ لِلْأَجْنَبِيَّةِ "إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ" مَوْقِعٌ لِلطَّلَاقِ بَعْدَ الْمِلْكِ، وَقَدْ اقْتَضَتْ الْآيَةُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ لِمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ الْمِلْكِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ضُرُوبٍ مِنْ الْأَقَاوِيلِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ: "إذَا قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ، أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ تَطْلُقُ وَمَنْ مَلَكَ مِنْ الْمَمَالِيكِ يُعْتَقُ"، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَنْ عَمَّ أَوْ خَصَّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: "إذَا عَمَّ لَمْ يَقَعْ وَإِنْ سَمَّى شَيْئًا بِعَيْنِهِ أَوْ جَمَاعَةً إلَى أَجَلٍ وَقَعَ"، وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَالِكٍ; وَذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا: "أَنَّهُ إذَا ضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُهُ فَقَالَ: إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً إلَى كَذَا وَكَذَا سَنَةً، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ". ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ: "وَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ أَشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ". وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: "إذَا قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ لَزِمَهُ مَا قَالَ"، وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: كُلُّ جَارِيَةٍ أَتَسَرَّى بِهَا عَلَيْك فَهِيَ حُرَّةٌ فَتَسَرَّى عَلَيْهَا جَارِيَةً فَإِنَّهَا تُعْتَقُ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: "إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَوْ قَالَ أَشْتَرِيهِ أَوْ أَرِثُهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ عَتَقَ إذَا مَلَكَ بِذَلِكَ الْوَجْهِ; لِأَنَّهُ خَصَّ، وَلَوْ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَوْ قَالَ: مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَوْ آلِ كَذَا لَزِمَهُ". قَالَ الْحَسَنُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مُنْذُ وُضِعَتْ الْكُوفَةُ أَفْتَى بِغَيْرِ هَذَا. وَقَالَ اللَّيْثُ فِيمَا خَصَّ: "إنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ". وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: "لَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ لَا إذَا خَصَّ وَلَا إذَا عَمَّ".

وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ، رُوِيَ عَنْ يَاسِينَ الزَّيَّاتِ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، قَالَ: "هُوَ كَمَا قَالَ". وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ الْقَاسِمُ: "إنَّ رَجُلًا خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ هِيَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ تَزَوَّجْتهَا، فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَا يَقْرَبَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ". وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ: "عَنْ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، فَتَزَوَّجَهَا نَاسِيًا، فَأَتَى ابْنَ مَسْعُودٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأَلْزَمَهُ الطَّلَاقَ"، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ; وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: "إذَا سَمَّى امْرَأَةً بِعَيْنِهَا أَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت مِنْ بَنِي فُلَانٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ". وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: "إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ". وَقَالَ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: "هُوَ جَائِزٌ عَلَيْهِ". وَرُوِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>