الْمِلْكُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مَعًا فَلَا يَقَعَانِ; لِأَنَّ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ لَا يَقَعَانِ إلَّا فِي مِلْكٍ مُسْتَقِرٍّ قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ; لِأَنَّ الْقَائِلَ: "إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ" مَعْلُومٌ مِنْ فَحَوَى كَلَامِهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ بَعْدَ صِحَّةِ النِّكَاحِ وَإِيقَاعِ الْعَتَاقِ بَعْدَ صِحَّةِ الْمِلْكِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَائِلِ: "إذَا مَلَكْتُك بِالنِّكَاحِ أَوْ مَلَكْتُك بِالشِّرَى" فَلَمَّا كَانَ الْمِلْكُ بِالنِّكَاحِ وَالشِّرَى فِي مَضْمُونِ اللَّفْظِ صَارَ ذَلِكَ كَالنُّطْقِ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ: "إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ" فَاشْتَرَى عَبْدًا لِغَيْرِهِ أَنْ لَا تَطْلُقَ امْرَأَتُهُ; لِأَنَّ فِي مَضْمُونِ لَفْظِهِ الْمِلْكَ، كَأَنَّهُ قَالَ: "إنْ مَلَكْت بِالشِّرَى". قِيلَ لَهُ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ; لِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يَتَضَمَّنُ الْمِلْكَ فِيمَا يُوقِعُ طَلَاقَهُ أَوْ عِتْقَهُ، فَأَمَّا فِي غَيْرِهِمَا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حُكْمِ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ تَضْمِينٍ لَهُ بِوُقُوعِ مِلْكٍ وَلَا غَيْرِهِ.
وقَوْله تَعَالَى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} قَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّ الْخَلْوَةَ مُرَادَةٌ بِالْمَسِيسِ وَأَنَّ نَفْيَ الْعِدَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِنَفْيِ الْخَلْوَةِ وَالْجِمَاعِ جَمِيعًا، وَفِيمَا قَدَّمْنَا مَا يُغْنِي عن الإعادة.
وقوله تعالى: {فَمَتِّعُوهُنَّ} إنْ كَانَ الْمُرَادُ مَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَهُوَ عَلَى الْوُجُوبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْمَدْخُولَ بِهَا فَهُوَ نَدْبٌ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} الْآيَةَ، قَالَ: "الَّتِي نُكِحَتْ وَلَمْ يُبَيَّنْ لَهَا وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا فَلَيْسَ لَهَا صَدَاقٌ وَلَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ". وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدٍ: "هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ فِي الْبَقَرَةِ: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧] ". وقوله تعالى: {وَسَرِّحُوهُنَّ} بَعْدَ ذِكْرِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ إخْرَاجَهَا مِنْ بَيْتِهِ أَوْ مِنْ حِبَالِهِ; لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا التَّسْرِيحَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَكِنَّهُ بَيَانُ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا وَأَنَّ عَلَيْهِ تَخْلِيَتَهَا مِنْ يَدِهِ وَحِبَالِهِ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute