قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: "عَلَيْهِ ذَبْحُ شَاةٍ" وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: "لَا شَيْءَ عَلَيْهِ" وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: "لَوْ نَذَرَ ذَبْحَ عَبْدِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ" وَقَالَ مُحَمَّدٌ: "عَلَيْهِ ذَبْحُ شَاةٍ". وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَبْحِ الْوَلَدِ; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ قَدْ صَارَ عِبَارَةً عَنْ إيجَابِ شَاةٍ فِي شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَوَجَبَ بَقَاءُ حُكْمِهِ مَا لَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ. وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إلَى حَدِيثِ أَبِي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ". وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ".
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَلْزَمُ الْقَائِلِينَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: "عَلَيَّ ذَبْحُ وَلَدِي" لَمَّا صَارَ عِبَارَةً عَنْ إيجَابِ ذَبْحِ شَاةٍ صَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: "عَلَيَّ ذَبْحُ شَاةٍ" وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَعْصِيَةً، وَإِنَّمَا لَمْ يُوجِبُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى النَّاذِرِ ذَبْحَ عَبْدِهِ شَيْئًا; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ ظَاهِرُهُ مَعْصِيَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ ذَبْحِ شَاةٍ فَكَانَ نَذْرَ مَعْصِيَةٍ. وَقَدْ قَالُوا جَمِيعًا فِيمَنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ وَلَدِي: إنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ ظَاهِرُهُ مَعْصِيَةٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ ذَبْحِ شَاةٍ وَقَدْ رَوَى يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: كُنْت عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إنِّي نَذَرْت أَنْ أَنْحَرَ ابْنِي قَالَ: لَا تَنْحَرِي ابْنَك وَكَفِّرِي عَنْ يَمِينِك" فَقَالَ رَجُلٌ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّهُ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "مَهْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الظِّهَارِ مَا سَمِعْت وَأَوْجَبَ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُخَالِفٍ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي إيجَابِهِ كَبْشًا; لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَذْهَبِهِ إيجَابُهُمَا جَمِيعًا إذَا أَرَادَ بِالنَّذْرِ الْيَمِينَ، كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ فِيمَنْ قَالَ" "لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ غَدًا" فَلَمْ يَفْعَلْ وَأَرَادَ الْيَمِينَ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَالْقَضَاءَ جَمِيعًا. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الذَّبِيحِ مِنْ وَلَدَيْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَكَعْبٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ أَنَّهُ إِسْحَاقُ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ أَنَّهُ إسْمَاعِيلُ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا.
وَمَنْ قَالَ: هُوَ إسْمَاعِيلُ يَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ عَقِيبَ ذِكْرِ الذَّبْحِ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً} فَلَمَّا كَانَتْ الْبِشَارَةُ بَعْدَ الذَّبْحِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ إسْمَاعِيلُ وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِبِشَارَةٍ بِوِلَادَتِهِ وَإِنَّمَا هِيَ بِشَارَةٌ بِنُبُوَّتِهِ; لِأَنَّهُ قَالَ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً} .
قوله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْأَغْمَارِ فِي إيجَابِ الْقُرْعَةِ فِي الْعَبِيدِ يُعْتِقُهُمْ الْمَرِيضُ. وَذَلِكَ إغْفَالٌ مِنْهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَاهَمَ فِي طَرْحِهِ فِي الْبَحْرِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ كَمَا لَا تَجُوزُ الْقُرْعَةُ فِي قتل من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute