للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْزَمُهُ الْجُلُوسُ لِلْقَضَاءِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَأَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى يَوْمٍ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْكَوْنُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَأَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا يَوْمًا مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمِحْرَابُ صَدْرُ الْمَجْلِسِ، وَمِنْهُ مِحْرَابُ الْمَسْجِدِ، وَقِيلَ: إنَّ الْمِحْرَابَ الْغُرْفَةُ وقَوْله تعالى: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَالْخَصْمُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ وَإِنَّمَا فَزِعَ مِنْهُمْ دَاوُد; لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ صَلَاتِهِ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَقَالُوا: {لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} وَمَعْنَاهُ: أَرَأَيْت إنْ جَاءَك خَصْمَانِ فَقَالَا: بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ؟ وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ هَذَا الضَّمِيرُ; لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُمَا كَانَا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَعْضِهِمْ بَغْيٌ عَلَى بَعْضٍ وَالْمَلَائِكَةُ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الْكَذِبُ، فَعَلَمِنَا أَنَّهُمَا كَلَّمَاهُ بِالْمَعَارِيضِ الَّتِي تُخْرِجُهُمَا مِنْ الْكَذِبِ مَعَ تَقْرِيبِ الْمَعْنَى بِالْمَثَلِ الَّذِي ضَرَبَاهُ. وَقَوْلُهُمَا: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} هُوَ عَلَى مَعْنَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ ضَمِيرِ: أَرَأَيْت إنْ كَانَ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً؟ وَأَرَادَ بِالنِّعَاجِ النِّسَاءَ.

وَقَدْ قِيلَ: إنَّ دَاوُد كَانَ لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ امْرَأَةً، وَأَنَّ أُورِيَا بْنَ حَنَانٍ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ، وَقَدْ خَطَبَ امْرَأَةً، فَخَطَبَهَا دَاوُد مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ أُورِيَا خَطَبَهَا، وَتَزَوَّجَهَا. وَكَانَ فِيهِ شَيْئَانِ مِمَّا سَبِيلُ الْأَنْبِيَاءِ التَّنَزُّهُ عَنْهُ: أَحَدُهُمَا: خِطْبَتُهُ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ، وَالثَّانِي: إظْهَارُ الْحِرْصِ عَلَى التَّزْوِيجِ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ عِنْدَهُ مِنْ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، فَعَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا وَكَانَتْ صَغِيرَةً، وَفَطِنَ حِينَ خَاطَبَهُ الْمَلَكَانِ بِأَنَّ الْأَوْلَى كَانَ بِهِ أَنْ لَا يَخْطُبَ الْمَرْأَةَ الَّتِي خَطَبَهَا غَيْرُهُ، وَقَوْلُهُ {وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} يَعْنِي: خَطَبْت امْرَأَةً وَاحِدَةً قَدْ كَانَ التَّرَاضِي مِنَّا وَقَعَ بِتَزْوِيجِهَا.

وَمَا رُوِيَ فِي أَخْبَارِ الْقُصَّاصِ مِنْ أَنَّهُ نَظَرَ إلَى الْمَرْأَةِ فَرَآهَا مُتَجَرِّدَةً فَهَوِيَهَا وَقَدَّمَ زَوْجَهَا لِلْقَتْلِ، فَإِنَّهُ وَجْهٌ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ; لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَأْتُونَ الْمَعَاصِيَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا مَعَاصٍ; إذْ لَا يَدْرُونَ لَعَلَّهَا كَبِيرَةٌ تَقْطَعُهُمْ عَنْ وِلَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ التَّأْوِيلِ الْأَوَّلُ أنه قال: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا كَانَ بَيْنَهُمَا فِي الْخِطْبَةِ وَلَمْ يَكُنْ قَدْ تَقَدَّمَ تَزْوِيجُ الْآخَرِ.

وقَوْله تَعَالَى: {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يُخَاطِبَ الْحَاكِمَ بِمِثْلِهِ.

وقَوْله تَعَالَى: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَ الْخَصْمَ عَنْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْحِكَايَةِ وَالْمَثَلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَأَنَّ دَاوُد قَدْ كان

<<  <  ج: ص:  >  >>