للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِفْطَارِ، وَحَدِيثُ عُمَرَ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَنْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ يَظُنُّ أَنَّهَا عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ أَنَّهَا تَكُونُ تَطَوُّعًا وَجَائِزٌ أَنْ يَقْطَعَهَا، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: "مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ".

فإن قيل: قوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: ٢٠] يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى رَكْعَةٍ، قِيلَ لَهُ: إنَّمَا ذَلِكَ تَخْيِيرًا فِي الْقِرَاءَةِ لَا فِي رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ، وَالتَّخْيِيرُ فِيهَا لَا يُوجِبُ تَخْيِيرًا فِي سَائِرِ أَرْكَانِهَا، فَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ الرَّكَعَاتِ; وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْبَدَلُ إذَا اسْتَهْلَكَهَا فَيَلْزَمُهُ مِثْلُهُ فِي سَائِرِ الْقُرَبِ.

وَمِنْ دَلَالَاتِ قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} عَلَى الْأَحْكَامِ: أَنَّ مَنْ أَصْبَحَ مُقِيمًا صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ، بِدَلَالَةِ ظَاهِرِ قَوْلِهِ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَنْ سَافَرَ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّوْمِ وَبَيْنَ مَنْ أَقَامَ. وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا، أَوْ أَكَلَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ، لقوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} وَهَذَا لَمْ يُتِمَّ الصِّيَامَ; لِأَنَّ الصِّيَامَ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَهُوَ لَمْ يُمْسِكْ، فَلَيْسَ هُوَ إذًا صَائِمٌ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَكَمُ: "إنَّ صَوْمَهُ تَامٌّ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ" هَذَا فِي الْمُتَسَحِّرِ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلًا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَوْ ظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ فَأَفْطَرَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا لَمْ تَغِبْ كَانَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَسَحِّرِ وَبَيْنَ مَنْ أَكَلَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى ظَنٍّ مِنْهُ ثُمَّ عَلِمَ; قَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فَالْأَكْلُ لَهُ مُبَاحٌ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيمَا أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ طُلُوعُ الْفَجْرِ، وَأَمَّا الَّذِي أَفْطَرَ عَلَى ظَنٍّ مِنْهُ بِغَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ فَقَدْ كَانَ صَوْمُهُ يَقِينًا، فَلَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَهُ الْإِفْطَارُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ غُرُوبُ الشَّمْس، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَصْحَابُنَا جَمِيعًا وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: يَقْضِي فِي الْحَالَيْنِ إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ: يَمْضِي فِيهِ وَفِي الْفَرْضِ: يَقْضِي. وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، أَنَّ عُمَرَ أَفْطَرَ هُوَ وَالنَّاسُ فِي يَوْمِ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ: مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ، وَاَللَّهِ لَا نَقْضِيهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْخَطْبُ يَسِيرٌ نَقْضِي يَوْمًا.، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} يَقْضِي بِبُطْلَانِ صِيَامِهِ; إذْ لَمْ يُتْمِمْهُ; وَلَمْ تُفَصِّلْ الْآيَةُ بَيْنَ مَنْ أَكَلَ جَاهِلًا بِالْوَقْتِ أَوْ عَالِمًا بِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ ذَلِكَ فَالْأَكْلُ لَهُ مُبَاحٌ. قِيلَ لَهُ: لَا يَخْلُو هَذَا الْأَكْلُ من

<<  <  ج: ص:  >  >>