الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ تُرِكُوا حَتَّى نَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ. وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَانِي رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي آجَرْت نَفْسِي مِنْ قَوْمٍ عَلَى أَنْ أَخْدُمَهُمْ وَيَحُجُّونَ بِي، فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا مِنْ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا} [البقرة: ٢٠٢] وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، مِنْهُمْ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ إلَّا شَيْئًا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: إنِّي أَكْرِي إبِلِي وَأَنَا أُرِدْ الْحَجَّ، أَفَيُجْزِينِي؟ قَالَ: لَا، وَلَا كَرَامَةَ. وَهَذَا قَوْلٌ شَاذٌّ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَخِلَافُ ظَاهِرِ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} فَهَذَا فِي شَأْن الْحَاجِّ; لِأَنَّ أَوَّلَ الْخِطَابِ فِيهِمْ، وَسَائِرُ ظَوَاهِرِ الْآيِ الْمُبِيحَةِ لِذَلِكَ دَالَّةٌ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ نَحْوُ قَوْلِهِ: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: ٢٠] وَقَوْلُهُ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: ٢٧] إلَى قَوْلِهِ: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: ٢٨] وَلَمْ يُخَصِّصْ شَيْئًا مِنْ الْمَنَافِعِ دُونَ غَيْرِهَا، فَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِهَا مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةِ وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة: ٢٧٥] وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُ حَالَ الْحَجِّ. وَجَمِيعُ ذَلِكَ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَمْنَعُ التِّجَارَةَ، وَعَلَى هَذَا أَمْرُ النَّاسِ مِنْ عَصْرِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا فِي مَوَاسِمِ مِنًى وَمَكَّةَ فِي أَيَّام الْحَجِّ; والله أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute