للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُجْمَعَ مَعَ الْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَكَانَ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ: الصَّلَاةَ فَقَالَ: "الصَّلَاةُ أَمَامَكَ" فَلَمَّا أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ صَلَّاهَا مَعَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَالْأَخْبَارُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُتَوَاتِرَةٌ فِي جَمْعِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ، وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ.

وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا تُجْزِيهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُجْزِيهِ. وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الصَّلَاةَ يُمْنَعُ جَوَازُهَا قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الصَّلَاةُ أَمَامَكَ" وَحَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الذِّكْرِ الْمَفْعُولِ فِي حَالِ الْوُقُوفِ بِجَمْعٍ; لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ} هُوَ الذِّكْرُ فِي مَوْقِفِ جَمْعٍ، فَوَاجِبٌ أَنْ نَحْمِلَ الذِّكْرَ الْأَوَّلَ عَلَى الصَّلَاةِ حَتَّى نَكُونَ قَدْ وَفَّيْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الذِّكْرَيْنِ حَظَّهُ مِنْ الْفَائِدَةِ وَلَا يَكُونُ تَكْرَارًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ قوله: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} هُوَ أَمْرٌ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ، وَالذِّكْرُ الْمَفْعُولُ بِجَمْعٍ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَمَتَى حُمِلَ عَلَى فِعْلِ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِجَمْعٍ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى مقتضاه من الوجوب، فوجب حمله عليه.

وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ، هَلْ هُوَ مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ أَمْ لَا، فَقَالَ قَائِلُونَ: هُوَ مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ وَمَنْ فَاتَهُ فَلَا حَجَّ لَهُ كَمَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ حَجُّهُ تَامٌّ وَلَا يُفْسِدهُ تَرْكُ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ. وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ فُرُوضِهِ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمُرَ الدِّيلِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ وَقَفَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ". وَقَالَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ: "مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَةُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ" فَحَكَمَ بِصِحَّةِ حَجِّهِ بِإِدْرَاكِ عَرَفَةَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ مَعَهُ الْوُقُوفَ بِجَمْعِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَنَقَلَهُ النَّاسُ، قَائِلِينَ لَهُ: إنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ بِلَيْلٍ وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ ضَعَفَةَ النَّاسِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ لَيْلًا وَقَالَ لَهُمْ: "لَا تَرْمُوا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ". فَلَوْ كَانَ الْوُقُوفُ بِهَا فَرْضًا لَمَا رَخَّصَ لَهُمْ فِي تَرْكِهِ لِلضَّعْفِ، كَمَا لَا يُرَخِّصُ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِأَجْلِ الضَّعْفِ.

فَإِنْ قِيلَ: لِأَنَّهُمْ كَانُوا وَقَفُوا لَيْلًا وَهُوَ وَقْتُ الْوُقُوف بِهَا، وَرَوَى سَالِمُ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ أَحَدُ مَنْ رَوَى حَدِيثَ تَقْدِيمِ ضَعَفَةِ النَّاسِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ: فَكَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِلَيْلٍ، فَيَذْكُرُونَ مَا بَدَا لَهُمْ ثُمَّ يَدْفَعُونَ قِيلَ لَهُ: وَقْتُ الْوُقُوف بِهَا بَعْد طُلُوع الْفَجْر، وَقَدْ نقل الناس وقوف النبي عليه السلام بِهَا بَعْدَ طُلُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>