للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا الْوَلَدَ، وَإِنْ سَفَلُوا لِقِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْجَمِيعِ، وَمَتَى أَمْكَنَنَا اسْتِعْمَالُهُمَا مَعَ فَرْضِ الزَّكَاةِ فَغَيْرُ جَائِزٍ الْحُكْمُ بِنَسْخِهَا، وَكَذَلِكَ حُكْمُ سَائِرِ الْآيَاتِ مَتَى أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ جَمِيعِهَا فِي أَحْكَامِهَا مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ نَسْخٍ لَهَا لَمْ يَجُزْ لَنَا الْحُكْمُ بِنَسْخِ شَيْءٍ مِنْهَا. وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ النَّفَقَةَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ، وَالْأَقْرَبِينَ إذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ، وَذَلِكَ إذَا كَانَ الرَّجُلُ غَنِيًّا; لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: ٢١٩] قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِيمَا يَفْضُلُ; فَإِذَا كَانَ هُوَ وَعِيَالُهُ مُحْتَاجِينَ لَا يَفْضُلُ عَنْهُمْ شَيْءٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ.

وَقَدْ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى مَعَانٍ: مِنْهَا أَنَّ الْقَلِيلَ، وَالْكَثِيرَ مِنْ النَّفَقَةِ يَسْتَحِقُّ بِهِ الثَّوَابَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى إذَا أَرَادَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ; وَيَنْتَظِمُ ذَلِكَ الصَّدَقَاتِ مِنْ النَّوَافِلِ وَالْفُرُوضِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ، أَوْلَى بِذَلِكَ، بقوله: {فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} مَعَ بَيَانِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمُرَادِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: "ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ وَأَدْنَاكَ فَأَدْنَاك" وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ، وَالْأَقْرَبِينَ عَلَيْهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ نَفَقَةُ الْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَجَمِيعِ مَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ. قِيلَ لَهُ: قَدْ اقْتَضَى ظَاهِرُهَا ذَلِكَ، وَخَصَّصْنَا بَعْضَهَا مِنْ النَّفَقَةِ الَّتِي تَسْتَحِقُّهَا الْأَقَارِبُ بِدَلَالَةٍ، وَهُمْ دَاخِلُونَ فِي الزَّكَاةِ وَالتَّطَوُّعِ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ زُفَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "دِينَارٌ أَعْطَيْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَعْطَيْتَهُ مِسْكِينًا، وَدِينَارٌ أَعْطَيْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، فَإِنَّ الدِّينَارَ الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ أَعْظَمُهَا أَجْرًا". وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ; حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ زُفَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَنْفَقَ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً" فَهَذِهِ الْآثَارُ مُوَافِقَةٌ لِمَعْنَى قَوْلِهِ: {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: الْفَضْلُ عَنْ الْغِنَى. وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: "الْوَسَطُ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ". وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "أَرَادَ بِهِ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ".

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إذَا كَانَ الْعَفْوُ مَا فَضَلَ فَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ فِي أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا فِيمَا فَضَلَ عَنْ مِقْدَارِ الْحَاجَةِ وَحَصَلَ بِهِ الْغِنَى، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الصَّدَقَاتِ الْوَاجِبَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الصَّدَقَةَ التَّطَوُّعَ، فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الْأَمْرَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>