الْأَسْفَارِ فَيُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا مَعْلُومًا فَيَخْلِطُونَهُ ثُمَّ يُنْفِقُونَهُ وَقَدْ يَخْتَلِفُ أَكْلُ النَّاسِ، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَبَاحَ فِي أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ فَهُوَ فِي مَالِ الْعُقَلَاءِ الْبَالِغِينَ بِطِيبَةِ أَنْفُسِهِمْ أَجْوَزُ; وَنَظِيرُهُ فِي تَجْوِيزِهِ الْمُنَاهَدَةَ قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ أَهْلِ الْكَهْفِ: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً} [الكهف: ١٩] فَكَانَ الْوَرِقُ لَهُمْ جَمِيعًا لِقَوْلِهِ: بِوَرِقِكُمْ فَأَضَافَهُ إلَى الْجَمَاعَةِ وَأَمْرَهُ بِالشِّرَاءِ لِيَأْكُلُوا جميعا منه.
وقوله: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} قَدْ دَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ الْمُشَارَكَةِ، وَالْخُلْطَةِ، عَلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ بِمَا يَتَحَرَّى فِيهِ الْإِصْلَاحَ مِنْ ذَلِكَ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: {فَإِخْوَانُكُمْ} قَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ; إذْ هُوَ مَنْدُوبٌ إلَى مَعُونَةِ أَخِيهِ وَتَحَرِّي مَصَالِحِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ١٠] وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ" فَقَدْ انْتَظَمَ قَوْلُهُ: {فَإِخْوَانُكُمْ} الدَّلَالَةَ عَلَى النَّدْبِ، وَالْإِرْشَادِ وَاسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ بِمَا يَلِيهِ منه.
وقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ} يَعْنِي بِهِ لِضَيَّقَ عَلَيْكُمْ فِي التَّكْلِيفِ فَيَمْنَعُكُمْ مِنْ مُخَالَطَةِ الْأَيْتَامِ، وَالتَّصَرُّفِ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلَأَمَرَكُمْ بِإِفْرَادِ أَمْوَالِكُمْ عَنْ أَمْوَالِهِمْ، أَوْ لَأَمَرَكُمْ عَلَى جِهَةِ الْإِيجَابِ بِالتَّصَرُّفِ لَهُمْ وَطَلَبِ الْأَرْبَاحِ بِالتِّجَارَاتِ لَهُمْ; وَلَكِنَّهُ وَسَّعَ وَيَسَّرَ وَأَبَاحَ لَكُمْ التَّصَرُّفَ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ الْإِصْلَاحِ وَوَعَدَكُمْ الثَّوَابَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُلْزِمْكُمْ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْإِيجَابِ فَيُضَيِّقُ عَلَيْكُمْ، تَذْكِيرًا بِنِعَمِهِ وَإِعْلَامًا مِنْهُ الْيُسْرَ، وَالصَّلَاحَ لِعِبَادِهِ.
وَقَوْلُهُ: {فَإِخْوَانُكُمْ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُؤْمِنِينَ هُمْ مُؤْمِنُونَ فِي الْأَحْكَامِ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُمْ إخْوَانًا لَنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ قَالَ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠] . وَاَللَّهُ تعالى أعلم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute