للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أطلقه الشرع لأطلقته (١). وقد انتقد صاحب كتاب نشأة الأشعرية، هذه الرواية أيضاً. وقال: «لقد وضعها أعداء المعتزلة لتشويه آراء الجبائي، مع أننا لا ننكر أن للجبائي وسائر المعتزلة بعض الآراء المتطرفة، ولكن هذا لا يمنع من القول بأن الرواية يُشم منها الوضع هي الأخرى لإلزام المعتزلة أقوالاً تتنافى مع مرادهم، وإن كان سياق المذهب في النهاية يؤدي إليها، إلا أن الحقيقة أن لازم المذهب ليس بمذهب (٢)، قلت: بأن ما ذكره جلال موسى لا يجافي الحقيقة فيما يظهر، والله أعلم. وإن كانت هذه القصة تحكي الواقع الحقيقي لهذا المذهب الفاسد. والناقد عليه أن يناقش الأصل فهل ما قيل في هذه المناظرة عن الاعتزال حقيقي أم كذب؟ فكون القصة صنعت لهدم المذهب المعتزلي لا يعنينا، وإنما الذي يعنينا هل هي افترت على المعتزلة، وأظهرتهم بغير صورتهم الحقيقية؟ أم أنها ذكرت ما في هذا المذهب الفاسد من تَخَبُّطَاتٍ بكل صراحة، فلماذا هذا التشكيك؟ إن الحقيقة تقول لا، بل هي تناقش قضية مُسلَّماً بها عند المعتزلة، والذي يظهر أن هذه المناظرة ـ لو صحت ـ لكانت حدثت بعد رجوعه، لأنها سبب من أسباب رجوعه لأن المناظرة أثبت فيها الأشعري أن مُعْتَقَدَهُ ومنهجه الاعتماد على النقل وتقديمه على العقل، والسياق لا يدل على أن هذا المنهج قد جدَّ عند الأشعري أثناء المناظرة. وهذه الرواية تدل


(١) انظر طبقات الشافعية الكبرى ٣/ ٣٥٧ - ٣٥٨. والقصة تحتاج إلى إثبات.
(٢) انظر نشأة الأشعرية وتطورها ص ١٧٨ باختصار.

<<  <   >  >>