للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التقية من الحنابلة أصحاب النفوذ في بغداد أو في أخريات أيامه (١). كما أكدها أيضاً حموده غرابة نقلاً عن ماكدونالد وموافقاً له حيث قال: الأشعري اضطر إلى ترك الصورة العقلية وإثبات الوجه واليدين وغير ذلك بعد رحيله إلى بغداد وهو بذلك اصطنع هذه الكتب إرضاءً للحنابلة، وربما لِيَدْفَعَ شَرَّهم أيضاً، فليست المسألة مسألة عقيدة ولكنها مسألة ملاءمة للظروف ومراعاة لما تقتضيه. ثم عقب على قول المستشرق بقوله: ولعل ما يشهد لذلك قول بعضهم: إن الأشاعرة قد جعلوا الإبانة من الحنابلة وقايةً ولكن السادة السلفية لا يرضيهم هذا التعليل (٢).

قلت: وليت حموده غرابة رد هذا القول كما رَدَّه دسوقي، عندما قال: وهذا تعريض حاقد من مستشرق بأحد أئمة المسلمين، حيث يصفه بالجبن كما أنه يصف الحنابلة بالاستبداد الفكري وهذا قول ينقصه الدليل (٣). إن من الخطأ والظلم أن يُتَّهَمَ الإنسان في عقيدته، ويشتد ذلك عندما تأتي هذه التهمة من بعض المنتمين إليه، ولو قبلنا بمثل هذا القول لادعى بعض المعتزلة، أن الأشعري ترك الاعتزال تقية أيضاً، لأن المعتزلة في ذلك الوقت قد خبا نجمهم، ولذا اتبع مخالفيهم تقية، وهكذا يصنع كل مخالف مع من خالفه مثل هذا القول، فما أسهل وأيسر التُهم عند عجز بعض


(١) انظر القضاء والقدر ٢/ ٣١٦.
(٢) انظر مقدمة كتاب اللمع، تصحيح حمودة غرابة ص ٧.
(٣) انظر القضاء والقدر ٣١٦.

<<  <   >  >>