للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن صفة كلام الله عند الأشعري صفة فعلية اختيارية، فهو لم يقل أن الله متكلماً بالأزل، بل قال لم يزل متكلما، ففرق بين هذا وذاك، ولذا نجد السلف يذكرون في كتبهم عندما يبينوا بأن صفة الكلام صفة فعلية اختيارية يُعَبِّرُون عن ذلك بعبارة لم يزل متكلماً. قال الإمام ابن منده (بياناً آخر يدل على أن الله عز وجل لم يزل متكلماً (١). فعبارة: لم يزل متكلماً تدل صراحة على أن صفة الكلام صفة فعلية اختيارية، لا تعبر لا عن الكلام النفسي ولا على الكلام القديم.

٢ - عندما شبه الأشعري صفة الكلام بالعلم، لم يرد المطابقة بين الكلام والعلم في جميع الحالات كما هو واضح من طريقة مناقشته ومجادلته لخصومه، وإنما أراد أن يثبت للخصوم بأن عدم الاتصاف بالكلام كعدم الاتصاف بالعلم. فهو يقول لهم: ما الذي يجعلكم تثبتون صفة العلم، ولا تثبتون صفة الكلام؟ فهو إذاً سلك هنا معهم مسلكاً سلكه القرآن مع أهل الشرك في مسألة تقرير الألوهية، فقد أرشدهم الله بأن يستدلوا بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية؛ لأن المشركين كانوا يسلمون بتوحيد الربوبية وينازعون بالألوهية، كقوله تعالى {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ


(١) انظر التوحيد لابن منده ص ٥٩٩.

<<  <   >  >>