للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذاع صيته في الآفاق، حتى كانت رسائل الاستفتاء ترد إليه، وإجابته بالرد عليهم مدونة كرسالته إلى أهل الثغر، بل كان يناظر أرباب البدع حتى قال أبو سهل الصعلوكي: «حضرنا مع الشيخ أبي الحسن مجلساً بالبصرة، فناظر المعتزلة ـ خذلهم الله ـ وكانوا ـ يعني كثيراً ـ فأتى على الكل وهزمهم، كلما انقطع واحد، تناول الآخر حتى انقطعوا عن آخرهم، فعدنا في المجلس الثاني، فما عاد منهم أحد» (١). وقد كثر المنتمون للأشعري في الأقطار الإسلامية، وانتسب إليه الكثيرون من أصحاب المذاهب جلهم من الشافعية والمالكية والأحناف، أما الحنابلة فقلة قليلة. ولكن من الأُمور اللافتة للنظر أنَّ هناك الكثير من أهل العلم يُنسبون إلى الأَشاعرة لوجود التأويل عندهم في بعض الصفات، مع أنهم لا علاقه لهم بالأشعري، ومن هؤلاء ابن الجوزي، حيث نجده عندما ترجم للأشعري. ترجم له ترجمة الناقم عليه، لا المادح له، فضلاً عن عدم كونها ترجمة تلميذٍ لشيخه، وما أدل على ذلك من قوله: (وكان على مذهب المعتزلة زماناً طويلاً، وتشاغل بالكلام، وأظهر مقالة، خبطت عقائد الناس، وأوجدت الفتن المتصلة ثم قال بعد ذلك: وقبره اليوم عافي الأثر، لا يلتفت إليه) (٢)، ومما يؤكد ذلك أيضاً، أنه ترجم له ترجمةً لا تتجاوز الخمسةَ والعشرين سطراً، فهل هذه ترجمةُ تلميذٍ لشيخه خاصةً وأنه صاحب قلمٍ سيَّال؟! وكتابُه المنتظم، شاهدٌ على ذلك، كما أنَّ ترجمته


(١) انظر طبقات الشافعية ص ٣٤٩.
(٢) انظر المنتظم ١٤/ ٢٩ ـ ٣١.

<<  <   >  >>