ولما كان موت الرأس من أنصار الدين لا يصلح أن يكون سبباً للفرار إلا إذا كان موته بغير إذن صاحب الدين، وكان الفرار لا يصلح إلا أذا كان يمكن أن يكون سبباً للنجاة، وأما إذا كان موته لا يكون إلا بإرادة رب الدين، والفرار لا يكون سبباً في زيادة الأجل ولا نقصه؛ أشار إلى ذلك بقوله:{وما كان لنفس} أي من الأنفس كائنة من كانت {أن تموت} أي بشيء من الأشياء {إلا بإذن الله} أي بعلم الملك الأعلى الذي له الإحاطة التامة وإرادته وتمكينه من قبضها «كتب لكل نفس عمرها»{كتاباً مؤجلاً} أي أجلاً لا يتقدم عنه بثبات، ولا يتأخر عنه بفرار أصلاً.
ولما كان المعنى: فمن أقدم شكرته ولم يضره الإقدام، ومن أحجم ذممته ولم ينفعه الإحجام، وكان الحامل على الإقدام إيثار ما عند الله، والحامل على الإحجام إيثار الدنيا؛ عطف على ذلك قوله:{ومن يرد ثواب الدنيا} أي بعمله - كما افهمه التعبير بالثواب، وهم المقبلون على الغنائم بالنهب والفارون كفراً لنعمة الله {نؤته منها} أي ما أراد، وختام الآية يدل على أن التقدير هنا: وسنردي الكافرين ولكنه طواه رفقاً لهم {ومن يرد ثواب الآخرة} أي وهم الثابتون شكراً على إحسانه إليهم من غير أن يشغلهم شاغل عن الجهاد، ولما كان قصد الجزاء غير قادح في الإخلاص منه من الله تعالى علينا قال: